للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابن خلدون في مقدمته يذكر من أسباب الاستكثار من هذه المرويات، اعتبارات اجتماعية، ودينية أغرت المسلمين بهذا الأخذ والنقل، الَّذي اتسعت له كتب التفسير المروى فاشتملت على الغث والسمين، والمقبول والمردود؛ فيعد ابن خلدون من الاعتبارات الاجتماعية، غلبة البداوة والأمية على العرب، وتشوقهم لمعرفة ما تتشوق إليه النفوس البشرية، في أسباب المكونات، وبدء الخليفة، وأسرار الوجود؛ وهم إنما يسألون في ذلك أهل الكتاب قبلهم. ثم يذكر من الاعتبارات الدينية التي سوغت عنده هذا التلقى الكثير لمثل تلك المرويات في تساهل، وعدم تحر للصحة، أن مثل هذه المنقولات ليست مما يرجع إلى الأحكام، فيتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل، فتساهل المفسرون في مثل ذلك، ملأوا كتبهم بمنقولات عن عامة أهل التوراة الذين كانوا بين العرب، وكانوا بداة مثلهم، لا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب؛ ولا تعلق لها بالأحكام الشرعية التي يحتاط لها (١).

وسواء أكانت هذه هي كل ما هيأ لذلك من الأسباب، أو كان وراءها أسباب أخرى، في حياة الرواية، وحياة العقيدة، وضرورة تأثرها بما حولها؛ فقد اتسعت على كل حال نقول التفسير، لمثل هذه المرويات التي يبين البحث أنها شملت مزيجًا متنوعًا من مخلفات الأديان المختلفة، التي ترامت إلى علم العرب.

وما بنا بعد الَّذي عرف من تنبه الأقدمين إليها أن نبين كيف تترك أو يتقى أثرها، فقد تصدوا لهذا وتحدث عنه غير واحد من المفسرين؛ وإن كان الَّذي سلم من التأثر به فيهم قليلًا أو نادرًا.

وقد تداعى أشياخ الأزهر اليوم إلى تجريد كتب التفسير من هذه الإسرائيليات، وهو أمر يسير الخطر؛ ولعل الأجدى من هذا التجريد أن تنقد هذه المجموعة المركومة من التفسير النقلى، على هدى قواعد القوم في نقد الرواية متنًا وسندًا، ليستبعد منها هذا الكثير الَّذي لا يستحق البقاء، ويستريح


(١) مقدمة ابن خلدون، ص. يتصرف.