للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المهدي، كما احتل أبو عبد الله مدينة دمشق في العام الذي يليه. وأسس جوهر مدينة القاهرة لمولاه وكان باقيًا في المغرب، ثم دعإه إلى اللحاق به ليقف في وجه القرامطة. فلما فرغ الخليفة الفاطمى من القضاء على آخر ثورات زناتة، وكان قد أخذ يضع تاجًا فوق رأسه على طريقة المشارقة، تجهز للرحيل في أغسطس عام ٩٧٢ م فبلغ القاهرة في العاشر من يونية عام ٩٧٣ م وأصبحت هذه المدينة بذلك قصبة دولته.

وغادر المعز إفريقية إلى غير عودة، وولى عليها (ماعدا صقلية) قبل رحيله رجلًا من أكفأ أنصاره هو الأمير البربرى بلُكبن، وكان أبوه زيرى بن مناد عدوًا لدودًا لقبيلة زناتة التي لاتهدأ ثائرتها، وقد أعان العبيديين دائمًا برباله من صنهاجة ناحية تترى وبلاد الجبال. ونجحت هذه الخطة- التي رمت إلى حكم البلاد بأمراء من البربر- نجاحًا كاملًا. وكانت أيام بنى زيرى - ويأتيهم كتاب الولاية من القاهرة- أيام رخاء في إفريقية عم فيها الخير وكثر الزاد بفضل إرتقاء الزراعة وصناعة البلاد (مثل البسط والقماش والفخار) والتجارة مع العالم الخارجى؛ وكانت المحافل الرسمية غاية في الأبهة والبذخ؛ ونهضت دراسة الفقه والطب، وكان قد برز فيها أيام الفاطميين رجال مشاهير منهم ابن أبي زيد واسحاق بن سليمان الإسرائيلى وتلميذه ابن الجزار؛ وبرز في الأدب الشاعر ابن رشيق. واجتذب يهود القيروان نفرًا من مشاهير التلموديين، كما خرج من بينهم تلموديون مبرزون.

ولم تتأثر هذه الحضارة الزاهرة إلا قليلًا بنقائص زناتة المغرب الذين استفحل أمرهم مع الأيام وجهروا بولائهم لقرطبة، كما أنها لم تتأثر بانفصال حماد الذي أسس عام ١٠٠٨ م في عهد ابن أخيه باديس بن المنصور (عام ٩٩٥ - ١٠١٦ م) دولة مستقلة في قلعته المشهورة. بل كان الأمر على العكس من ذلك، فقد بلغت الدولة أوجها فيما يظهر أيام المعز بن باديس في النصف الأول من القرن الحادي عشر. بيد أن هذا المعز، وكان كثير الخيلاء، قد