للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الأرض إلا بإذنه .. " (سورة الحج (٨)، الآية ٦٥)؛ والآيات التي تصف الأرض بأنها بسطت وأن الجبال رواسى حتى لا تميد الأرض، كل هذه الأيات تكؤن صورة تشبه تصور البابليين القدماء للكون الذي كانت الأرض فيه جرمًا على هيئة قرص يحيط به الماء ثم يحيط به حزام آخر من الجبال تقوم عليه السماء. وكان ثمة ماء تحت الأرض وماء فوقها أيضًا. وكذلك كانت ثمة تصورات مثل: "حتى إذا بلغ مغرجـ ١ لشمس وجدها تغرب في عين حمئة ... " (سورة الكهف، الآية ٨٦) إشارة إلى المحيط الأطلسي، وأن الأرض مستوية، ولا شك أن ذلك يرجع أصله إلى الجغرافيا عند اليونان. وأغلب الظن أن فكرة وجود بحرين أحدهما ماؤه عذب فرات والآخر ملح أجاج (سورة الفرقان، الآية ٥٣) إشارة إلى البحر المتوسط وبحر العرب، وبين البحرين برزخ (وهي صيغة متفرعة من "فرسخ" من الفهلوية "فرسنك") فكرة أصلها إيرانى. زد على ذلك أن مصطلحات بعينها في القرآن مثل "بروج" (في اليونانية: "بوركس" وفي اللاتينية bugus) وبلد أو بلدة (وهي صيغة مشتقة من اللاتينية palatium، وهي في اليونانية "بلاتيون")، وقرية (السريانية: قريثًا، بمعنى بلدة أو قرية) تدل على الأصل غير العربي للأنظار التي ترتبط بها هذه المصطلحات في القرآن.

وثمة أحاديث تروى عن علي بن أبي طالب المتوفى سنة ٤٠ هـ (٦٦٠ م) وابن عباس المتوفى سنة ٦٦ - ٦٩ هـ (٦٨٦ - ٦٨٨) وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم تتناول خلق الكون والجغرافيا وغيرها من المسائل المتصلة (٩) بهما، ولكن يبدو أن هذه الأحاديث التي تعكس الأفكار الجغرافية القديمة للعرب كانت قد وضعت في زمن متأخر لتواجه أثر المعرفة الجغرافية العلمية التي أخذت تشيع بين عرب ذلك الزمن، ولو أن بعض الجغرافيين قد ساقوها في كتبهم مساق المعلومات التي تتصف بالحجية والثبوت. صحيح أن المعرفة العلمية تقدمت، إلا أن بعض الأحاديث أثرت أثرًا عميقًا في الفكر الجغرافي العربي وفي رسم الخرائط عندهم.