للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثال ذلك أن الحديث الذي يقول بأن شكل كتلة الأرض يشبه طيرا كبيرا رأسه في الصين وجناحه الأيمن في الهند، والأيسر في الخزر، وصدره في مكة والحجاز والشام والعراق ومصر، وذنبه في شمال إفريقية (ابن الفقيه، ص ٣ - ٤) أصبح أساس الكتابات الجغرافية لمدرسة البلخى. وليس ببعيد أن يكون أصل هذه الفكرة ماثلا في بعض الخرائط الإيرانية القديمة التي رآها العرب.

والتوسع السياسي للعرب، بعد قيام الإسلام، في إفريقية وآسية، قد أتاح لهم فرص جمع المعلومات والملاحظة وتسجيل تجاربهم في البلاد المختلفة التي خضعت لهم أوكانت مجاورة للإمبراطورية العربية. وسواء كانت هذه المعلومات قد جمعت خدمة لحملاتهم الحربية أو لأغراض أخرى، فاغلب الظن أنه قد أفيد بها في كتب تخطيط البلدان التي صدرت في العصر العباسى الأول.

(٣) انتقال المعرفة الجغرافية الهندية والإيرانية واليونانية إلى العرب.

لم يبدأ العرب في التزود بالجغرافيا العلمية بمعناها الصحيح إلا في مستهل العصر العباسى وإنشاء بغداد لتكون قصبة لإمبراطوريتهم. وقد أتاح فتح العرب لإيران ومصر والسند الفرصة للتزود بالمعرفة المباشرة لما حققته شعوب هذا المهد القديم للحضارة في ميدان العلم والثقافة، كما أتاح لهم امتلاك مراكز العلم عند هذه الشعوب ومعاملها ومراصدها أو الرجوع إليها في يسر. على أن الحصول على هذه المعرفة الأجنبية وهضمها لم يبدأ إلا في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور (١٣٥ - ١٥٨ هـ = ٧٥٣ - ٧٧٥ م) منشئ مدينة بغداد فقد شغف هذا الخليفة بترجمة الكتب العلمية إلى العربية، وظل هذا الشغف قائمًا قرابة قرنين في العالم الإسلامي.

وكذلك لعب الوزراء البرامكة دورًا هامًا في نشر النشاط العلمي في البلاط. وما أكثر ما كان المترجمون أنفسهم علماء مبرزين أغنت جهودهم اللغة العربية بالمعرفة الهندية والإيرانية واليونانية في ميدان الجغرافيا وعلم الهيئة والفلسفة.