للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكتاب الحيوان، وهو مصنف في الأدب له طابع ديني، وليس كتابًا في العلم الطبيعى، يتسم بأكبر قدر من التشويش. ومصادره متنوعة، ولكن أهمها المعلومات الأدبية التي جمعها الباحثون في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) وأثرتها الروايات الشفوية، والمعلومات التي تحصلت من الأحاديث والمشاهدة السائرة ومن التجارب الصغيرة التي مر بها المؤلف نفسه أو أصدقاؤه من المعتزلة، وهي التي تتعلق بأثر المشروبات الروحية على الحيوانات (جـ ٢، ص ٢٢٨ - ٢٢٩) أو بحوثه عن التولد الذاتى (جـ ٣، ٣٤٨) وهو لذلك نصير عن اقتناع (جـ ٣، ص ٣٧٢)؛ جـ ٥، ص ٣٧١ الخ). مخالف لمن ينكرونه، ويزعمون أن الحيوان لا يمكن أن يلده إلا حيوان (جـ ٥، ص ٣٤٩). ويهتم الجاحظ اهتمامًا خاصًا بالحيوانات المولدة بالتهجين، ويخصص للبغل رسالة، تذيل كتاب الحيوان. والجاحظ على صعيد آخر، ينتهج نهج أرسطوطاليس، الذي يربط علم الحيوان بدراسة النفس، وينثر، في ثنايا مصنفه، ملاحظات سديدة عن نفسية الحيوانات (مثل ما ورد في جـ ٦، ص ٦٩ وما بعدها، عن الاعتزاز بالنفس) ثم إن الجاحظ إذ يرى أن تأثير البيئة بالغ الأهمية، فإنه يلم في إجمال بنظرية في التطور لا تخلو من شأن.

وعلى الجملة، فإنه تم بحث حالات ما يقرب من ٣٥٠ حيوانًا على نحو يتفاوت في العمق، وإن كان على غير منهج، إذا أراد المرء, أن يجد ثمرة لذلك فإن الأمر يقتضيه أن يرجع إلى الفهرست الرائع للطبعة التي حققها عبد السلام هارون. ومن ثم يمكن سبر غور ما عرفه العرب الأوائل عن الحيوانات، وتحصيل فكرة عن الآراء التي يتخذونها عن بعض أنواع الحيوان. والجاحظ معتزلى حق، يخضع كل شئ لمعيار العقل، ولذلك فهو يبذل جهدًا في مضيه إلى تقويض دعائم بعض الأساطير (مثل، جـ ٢، ص ١٤)، ويخلط الروايات التي يرويها بأفكار من صنعه، كانت كفيلة، لو لم يعبر عنها بطريقة مشوشة، بأن تكسبه