للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه الإضافة دهرا، "فيكون الدهر هو المحيط بالزمان". ورأى ابن سينا لا يخرج عن رأى أرسطو مع شئ من التراث الأفلاطونى، وهو على كل حال رأى لا يخلو من تناقض، والمهم أنه يعرف الزمان بالتعريف الأرسططاليسى، وهو أنه "مقدرًا الحركة من جهة المتقدم والمتأخر" ويقول: إن الزمان علته الحركة المستديرة، وهذه حركة نفسانية إرادية، علتها النفس، يعنى النفس المحركة للفلك. أما الدهر فيعرفه بأنه "المعنى المعقول من إضافة الثبات إلى النفس فى الزمان كله"، والآن "طرف موهوم يشترك فيه الماضى والمستقبل من الزمان". وبمناسبة الكلام فى ذوات الأشياء الثابتة وغير الثابتة يقول ابن سينا إن الذوات الثابتة، إذا أخذت من جهة ثباتها، لم تكن فى الزمان بل مع الزمان، ثم يقول إن "نسبة ما مع الزمان وليس فى الزمان إلى الزمان هو الدهر، ونسبة ما ليس فى الزمان من جهة ما ليس فى الزمان، الأولى به أن يسمى السرمد". وينتهى ابن سينا إلى أن "الدهر" فى ذاته، من "السرمد" والدهر دهر بالقياس إلى الزمان.

حتى إذا جاء ناصر خسرو الشاعر والعالم الفارسى، وهو الذى روى آراء الإيرانشهرى والرازى ونقض بعض آراء الرازى، وجدناه يذهب إلى أن الزمان ليس سوى "تغير أحوال الجسم"، هذا مع موافقة ناصر لأرسطو فى القول بأن الزمان عدد الحركة وأن علته النفس، ولا شك أن هذا بمعنى يوجد أساسه عند أرسطو فى قوله إن إدراك الزمان يتوقف على إدراك الحركة فى القبل والبعد، وعلى عدد هذه الحركة، ولكن ناصر خسرو يميز بين الزمان بهذا المعنى الأرسطى من أحد الوجوه، وبين "الدهر" الذى هو عنده عبارة عن مدة بقاء المعقولات المجردة التى لا تتغير والذى علّته العقل (١).

ومن الطريف أن نذكر رأى شاعر حكيم ذى ثقافة فلسفية: هو أبو العلاء المعرى المتوفى سنة ٤٤٩ هـ = ١٠٥٧ م (٢)، والدهر عنده كما عند


(١) مذهب الذرة ص ٥٤ - ٥٠.
(٢) راجع رسالة الغفران، طبعة القاهرة، ١٣٢١ هـ، ص ١٣٧ - ١٣٨؛ واللزوميات جزء ١، ص ٣٧٤ و ٤١١ و ٤٢٢ و ٤٣٣ وجـ ٢، ص ٨٦ و ٢٤١ و ٢٦٢ و ٢٧٢، ٣٧٧.