للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المضمون الشعرى معروفًا سلفا، بل وأكثر من هذا فقد كان أى خروج عن المألوف يعد أمرا لا يحظى بالقبول، كما تحكم الشكل الشعرى فى استرسال عاطفة الشاعر. واتسم المحتوى الشعرى بالاعتدال والرزانة اللهم إلّا فى مجال الفخر والمديح حيث حفل هذان الغرضان بالمبالغة خاصة إذا كان الأمر متعلقا بالكرم. وأخيرا فقد كانت المهمة الكبرى للشاعر هى كونه ممثلًا للذاكرة الجمعية، ومن ثم أضفى طابع الاستمرار على الحاضر.

وبالإضافة للقصائد ظهر ما يعرف بشعر المناسبات حيث يتناول الشاعر موضوعا شعريا واحدا، لكن هذا النوع من الشعر -على أية حال- لم يظهر قبل القصائد المعروفة التى أنشأها شعراء القصيد، كما أن شعر المناسبات هذا قد تأثر فنيا بالقصائد التقليدية، ولا يمكن اعتباره ممثلا للشعر العربى فى مرحلته الباكرة. إلا أنه يمكننا أن نستثنى من ذلك -على نحو ما- أشعار الحرب من بحر الرَّجز، وكذلك شعر الرِّثاء الذى هو أقرب إلى المعنى العام لفن الشعر، ومن بين شعر المناسبات أيضا ما يعرف بشعر الحماسة، وقد ارتبط بعضه بالشعراء الصعاليك.

إن ثمة معنى خاصا ارتبط بشعر الهجاء مؤداه أن الشاعر الهجاء ينطق بلسان قوى غيبية أو قوى ما فوق الطبيعة (انظر: I.Goldziher,Abhandlungen zur arab. philologie, i ١٨٩٦, ١ - ١٢١)

ويبدو أن تركيز العرب على جماليات الألفاظ وحسن اختيارها قد أعطى للألفاظ نفسها قوة ذات دلالات غامضة وسحرية. وكان الشعر مبعث فخر ومجال تنافس، فالشاعر الذى يمكنه أن يؤثر فى مشاعر مستمعيه بالمجازات البليغة والمحكمة والعبارات الخصبة المشبعة بالكنايات والفوارق الدقيقة فى المعانى، ليس مجرد شاعر، وإنما هو يلقى التوقير والاحترام باعتباره حاميا لشرف القبيلة وباعتباره سلاحًا فعّالا ضد أعدائها. وكانت الحروب القبلية تحسم -على نحوٍ قلَّ أو كَثُر- من خلال المفاخرة بين الشعراء المرموقين، تماما كما تحسم فى