للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحقيقة أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهو فى ذروة قوته لم يجبر اليهود والنصارى الذين يعيشون فى شبه الجزيرة العربية قط على اعتناق الإسلام، وإنما قنع بخضوعهم السياسى ودفعهم الجزية. والنتيجة السليمة إذن هى رفض الصياغة الراهنة لتلك الروايات التى تؤكد أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] سعى إلى إقناع إمبراطورَىّ بيزنطة وفارس وغيرهما من كبار الحكام خارج شبه الجزيرة باعتناق الإسلام، وأن نبحث عن الأسس التاريخية الحقيقية فى المفاوضات ذات الطابع السياسى الغالب كتلك التى دارت مثلا مع مقوقس مصر الأكثر تعاطفا مع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والذى قيل إنه الشخص الذى أهدى إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مارية القبطية التى ولدت له إبراهيم، فمات للأسف وهو رضيع قبل أشهر قلائل من وفاة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نفسه. ومع ذلك فقد تغيرت فى ذلك الوقت طبيعة رسائل النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الموثوق بصحتها إلى القبائل العربية، إذ لم يعد قانعا باتفاق سياسى بحت، بل أصبح الآن وقد توطدت دعائم سلطته، يطالبهم أيضا باعتناق الإسلام بما يفرضه من أداء الصلاة وإيتاء الزكاة. بل وقد أعطى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قبيلة جذام على ساحل الشام أمانا مدته شهران عليها بعدهما أن تختار لنفسها أمرا.

وفى أواخر العام السابع الهجرى (مارس ٦٢٩ م) أدى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العمرة التى نص عليها صلح الحديبية، وأدى مناسكها عند الكعبة وفى الحرم المكى. وقد كان من بواعث رضاه الشديد. وهو الذى طُرد من بلدته قبل سبع سنوات. أن يتمكن الآن من زيارة مكة بصفته سيد المدينة غير المنازع. وقد كان من بين الإنجازات المهمة التى حققها خلال إقامته هذه بمكة مصالحته لعشيرته من بنى هاشم، وهى مصالحة


= ٦ جنوبا تقريبًا وهذه المنطقة تشمل مسلمين أوربيين (سالونيكا فى اليون، والبوسنه والهرسك. . الخ) ومسلمين صينيين (سيتكيانج). . . الخ كما أن التحول للإسلام لم يكن قصرا على العرب الوثنيين، فقد تحول يهود للإسلام وتحول مسيحيون. . الخ، فلا مجال إذن للنقاش الجدلى أو النظرى: هل جاء الإسلام للعرب فقط أم للناس كافة هذا سؤال من قبيل الترف الفكرى وتضييع الوقت. [التحرير]