هذه الرواية أقدم من أيام أبى الفرج" (انظر فتح العرب لمصر تعريب الأستاذ فريد أبو حديد ص ٣٥٠ طبعة سنة ١٩٣٣) فمثل هذا الرَّجل غير ثِقَة ولا مأمون على النقل، حتى لو نقل شيئًا عن عصره أو ما يقاربه، فضلا عن تفرده بنقل يستند إلى ما قبل عصره بمئات السنين.
وأما كل ما أرجف به الكاتب ليصل إلى ما يدعيه من معرفة النبى صلى الله عليه وسلم بما يسمونه "الأناجيل" وبأن "هذا الموضوع ليس إلا مسألة فرعية من المسألة العامة الخاصة بأصل الإسلام ومصادره" فإنه شئ لا يثبت أمام النقد، ولا تؤيده آية حقيقة من حقائق التاريخ. وقد كان النصارى من قبل الإسلام بمئات السنين مختلفين فى صحة الكتب التى يطلقون عليها اسم "الأناجيل" وهى أكثر من سبعين كتابًا، حتى تحكم فيهم الزعماء والرؤساء فى مجمع "نيقية" فى القرن الرابع الميلادى، فاعتبر"المجمع أن هذه الكتب الأربعة المعروفة الآن هى الأناجيل الصحيحة. وبذلك صارت الكتب الرسمية للدين المسيحى، واعتبر ما عداها منحولا أو غير صحيح، وهذه الكتب التى اعتبرت منحولة غير مشتهرة وغير معروفة تفصيلا إلا قليلا، فمن أين يعرفها العرب قبل الإسلام وعند بدء ظهوره؟ !
وكان النبى [- صلى الله عليه وسلم -] رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب، كما ثبت بالتواتر الصحيح فى التاريخ, وكما نص الله عليه فى القرآن الكريم، وقد أقمنا الحجة على ذلك فيما مضى من الدائرة ثم أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة، وبعثه إلى الناس كافة بهذا القرآن الكريم، وجعله مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء السابقين، إجمالا لها من غير تفصيل، وجعل كتابه "مهيمنا" على هذه الكتب، أى رقيبًا عليها كلها، كما قال تعالى فى سورة المائدة (آية ٤٨): {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}: وهذا الرَّجل الأمى لم يقرأ شيئًا من كتبهم، ولم يبلغه من الكتب التى فى أيدى النصارى -مع ما فيها من الاختلاف- قليل ولا كثير، ومع ذلك