للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي شهر مارس عام ٩٠٩ م فر زيادة الله إلى بغداد بعد سقوط الأربس، ودخل الداعى رقّادة على الرغم من العداوة التي أسرها علماء السنة. وفي شهر ديسمبر من السنة نفسها تلقى المهدي بنفسه فروض الولاء من الأهلين في القيروان. وهكذا تأسست في إفريقية- بفضل الجند المشاة من بدو كتامة- الخلافة الفاطمية العُبَيدية الشيعية، فأحدثت انقلابًا في الأحوال السياسية لشمالى إفريقية بأسره قبل رجوعها إلى موطنها القديم في المشرق.

وكانت الدولة الجديدة تمد بصرها- من أول الأمر- إلى مصر، ولم تنقطع عن إنفاذ الحملات تمهيدًا لفتحها حتى وطدت أقدامها فيها. وقد قتل عبيد الله في يناير من عام ٩١١ م أبا عبد الله. وهو الذي ثبت له الملك، مثله في ذلك مثل المنصور الخليفة العباسى الذي قضى على داعيته أبي مسلم. وقد سار ابنه على رأس جيش عام ٩١٣ م وفتح الفيوم، واستولى ابن آخر على مدينة الإسكندرية، فلما توقف الفتح ناحية الشرق فكر المهدي في تأسيس عاصمة له في إفريقية على البحر: فابتنى المهدية لتخرج منها الأساطيل لمهاجمة الشرق، وللتحصن فيها من هجمات البربر المتوقعة من داخل البلاد (٩١٦ - ٩١٨ م) وقد أنفذت عام ٩١٩ م حملة أخرى استولت على الإسكندرية واحتفظت بها أمد، وجيزًا. وكان انتصار هذه الخلافة في الغرب مبينًا، فقد قضت على ثورة صقلية وأدخلتها في طاعتها. ولما توفى عبد الله في مطلع ٩٣٤ م كان المغرب بأسره قد وإن للفاطميين وقضى على دولة الإباضية في تيهرت والإدريسية في فاس وصفْرية سجلماسة، واعترفوا جميعًا بسلطان الفاطميين.

واستطاع أبو القاسم نزار القائم بأمر الله أن يوطد سلطانه في مشقة على الدولة المترامية الأطراف التي ورثها. والواقع أن أسطوله تمكن من نهب جنوة عام ٩٣٥ م، بيد أنه لم يكن لهذه الغارة شأن مثلها في ذلك مثل غارة التوسكان على قرطاجنة عام ٨٢٨ م بقيادة بونيفاس اللقى