للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمر، يردون على الدهرية، كما نجد أول تحديد لمعنى كلمة "دهرية" عند الجاحظ (١)، فهو يصفهم بأنهم هم الذين ينكرون الخالق ولا يؤمنون بالنبوات أو البعث أو الثواب والعقاب، ويردون الأشياء إلى فعل الأفلاك، ولا يعرفون خيرًا ولا شرًا سوى المنفعة واللذة. ومن ذلك الحين صار علماء الإسلام يذكرون الدهرية بين الفرق الضَّالة ويردون عليهم.

وإلى جانب فكرة الدهر بمعنى المفهوم الشعرى وبمعنى النظرية الدهرية كان عند العرب مفهوم الدهر، من حيث هو الامتداد الزمانى الذى لا نهاية له، وهو المفهوم الذى ورد فى القرآن فى سورة (سورة الانسان، أو سورة الدهر) آية ١، وهى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}، وإذا كان مفهوم الدهر هنا أنه الامتداد الزمانى غير المحدود، فإن الحين جزء من الدهر، وهذا الاستعمال القرآنى يوافق المعنى الذى كان معروفًا للمتكلمين، وهو فى نفس الوقت يؤيده ويضع الأساس للتطور التالى. وعند الكندى، أول فلاسفة الإسلام المتوفى حوالى سنة ٢٥٠ هـ = ٨٦٤ م نجد أول بيان واضح لفكرة الزمان (٢)، فهو فى رسائله المعروفة لنا حتى الآن يعتبر أن الزمان "مدة تعدها الحركة، غير ثابتة الأجزاء"، وأن الوقت، كما هو عند المتكلمين أيضًا، "نهاية الزمان المفروض للعمل". على أن الكندى يعرف اختلاف الفلاسفة فى معنى الزمان وقول بعضهم إنه هو الحركة، وقول البعض الآخر إنه ليس هو الحركة، ويختار القول بأنه "عدد عاد للحركة" ويرى أن فكرة الزمان هى التى تساعد على إدراك السرعة والبطء فى الحركة، أما "الآن" فهو ما يصل الزمان الماضى بالزمان الآتى، وهو لما كان لا بقاء له فهو ليس زمانًا، ولكن إذا اعتبر الإنسان بعقله الانتقال من آن إلى آن أدرك معنى


(١) كتاب الحيوان جـ ٧، ص ٥ - ٦، القاهرة، ١٣٢٤ هـ = ١٩٠٦ م.
(٢) راجع رسائل الكندى الفلسفية ج ١، ص ١١٣، ١١٧، ١١٩ - ١٢٠، ١٢٢، ١٥٢، ١٦١، ١٦٩، ١٧٠، ١٩٦، ١٩٨، ٢٠٤ - ٢٠٥؛ طبعة القاهرة ١٩٥٠ م، جـ ٢، ص ٣٢ - ٣٤، طبعة القاهرة.