للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهر إذ ذوبان الطعام فى صورة الجهر اظهر ويدل عليه ما ورد ايضا من الركعتين بعد الطعام او من تلاوة عشر آيات من القرآن إذ الحركة البدنية تفضى الى استمراء الطعام وانهضامه الذي به تحصل قوة البدن وبقوة البدن يقوى المرء على العبادة وفى العبادة بعد الطعام شكر للنعمة والشكر اما بالقلب او باللسان او بالأعضاء والجوارح وَذَرُوا اى اتركوا ايها المؤمنون ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ من اضافة الصفة الى الموصوف اى الإثم الظاهر والإثم الباطن والمراد بالإثم ما يوجب الإثم وهو المعاصي كلها لانها لا تخلو من هذين الوجهين فيدخل فيه ما يعلن وما يسر سواء كان من اعمال القلوب او الجوارح فاعمال الجوارح ظاهرة كالاقوال والافعال واعمال القلوب باطنة كالعقائد الفاسدة والعزائم الباطلة وحقيقة ظاهر الإثم طلب نعم الدنيا وباطنه الميل الى نعم العقبى لان كلا منهما يصير سببا للبعد عن حضرة المولى

ظاهر وباطن خود پاك كن از لوث كناه ... تا كه پاكيزه شوى در صف مردان اله

إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ اى يعملون المعصية ظاهرا وباطنا سَيُجْزَوْنَ سيعاقبون فى الآخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ اى يكسبون فى الدنيا كائنا ما كان فلا بد من اجتنابهما

جمله دانند اين اگر تو نكروى ... هر چهـ ميكاريش روزى بد روى

والاشارة ان الله تعالى كما خلق للانسان ظاهرا هو بدن جسمانى وباطنا هو قلب روحانى فكذلك جعل للاثم ظاهرا هو كل قول وفعل موافق للطبع مخالف للشرع وباطنا هو كل خلق حيوانى وسبعى وشيطانى جبلت النفس عليه وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ اى اتركوا الأعمال الطبيعية باستعمال الأعمال الشرعية واتركوا الأخلاق الذميمة النفسانية بالتحلق بالأخلاق الملكية الروحانية إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ ظاهره وباطنه بالافعال والأخلاق سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ عاجلا وآجلا اما عاجلا فلكل فعل وقول طبيعى ظلمة تصدأ مرآة القلب بها فيخرف مزاج الأخلاق القلبية الروحانية ويتقوى مزاج الأخلاق النفسانية الظلمانية وبه يغلب الهوى ويميل الى الدنيا وشهواتها فباظهار كل خلق منها على وفق الهوى يزيد رينا وقسوة فى القلب فيحتجب به عن الله تعالى كما قال تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ واما آجلا فبهذه الموانع والحجب ينقطع العبد عن الله ويبقى محجوبا معذبا فى النار خالدا مخلدا كما قال تعالى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ كذا فى التأويلات النجمية اعلم ان العصاة كلهم فى خطر المشيئة بل الطائعون لا يدرون بماذا يختم لهم فيا ايها العاصي لا تغتر فان العناية لاتحصل لكل عاص ولا تدرى انك ممن أراد الله تعالى عفوه فان المعفو من أول الأمر وقع قليلا- كما حكى- عن مالك بن دينار قال رأيت بالبصرة قوما يحملون جنازة وليس معهم أحد ممن يشيع الجنازة فسألتهم عنه قالوا هذا رجل من كبار المذنبين قال فصليت عليه وأنزلته فى قبره ثم انصرفت الى الظل فنمت فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا قبره ونزل أحدهما اليه وقال لصاحبه اكتبه من اهل النار فما فيه جارحة سلمت من المعاصي والأوزار فقال له صاحبه يا أخي لا تعجل عليه اختبر عينيه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالنظر الى محارم الله قال فاختبر سمعه قال قد اختبرته فوجدته مملوأ بسماع الفواحش والمنكرات قال فاختبر لسانه قال قد اختبرته فوجدته

<<  <  ج: ص:  >  >>