للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالنفح الا انه أشد تأثيرا كما فى الإرشاد وغيره وتخصيص الوجوه بذلك لانها اشرف الأعضاء وأعظم ما يصان منها فبيان حالها از جر عن المعاصي المؤدية الى النار وهو السر فى تقديمها على الفاعل وَهُمْ فِيها كالِحُونَ من شدة الاحتراق. والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان كما ترى الرؤوس المشوية وعن مالك بن دينار كان سبب توبة عتبة الغلام انه مر فى السوق برأس اخرج من التنور فغشى عليه ثلاثة ايام ولياليهن وفى الحديث (تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السفلى حتى تبلغ سرته) انتهى فيقال لهم تعنيفا وتوبيخا وتذكيرا لما به استحقوا ما ابتلوا به من العذاب أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فى الدنيا فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ حينئذ قالُوا يا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا اى ملكتنا شِقْوَتُنا التي اقترفناها بسوء اختيارنا فصارت أحوالنا مؤدية الى سوء العاقبة قال القرطبي واحسن ما قيل فى معناه غلبت علينا لذاتنا واهواؤنا فسمى اللذات والأهواء شقوة لانهما تؤديان إليها قال ابو تراب الشقوة حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق وَكُنَّا بسبب ذلك قَوْماً ضالِّينَ عن الحق ولذلك فعلنا ما فعلنا من التكذيب وسائر المعاصي رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ متجاوزون الحد فى الظلم لانفسنا قالَ تعالى بطريق القهر اخْسَؤُا فِيها اسكتوا فى النار سكوت هوان فانها ليست مقام سؤال وانزجروا انزجار الكلاب إذا زجرت من خسأت الكلب إذا زجرته مستهينا به فخسأ اى انزجر وَلا تُكَلِّمُونِ اى باستدعاء الإخراج من النار والرجع الى الدنيا فانه لا يكون ابدا إِنَّهُ تعليل لما قبله من الزجر عن الدعاء اى ان الشان كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي وهم المؤمنون يَقُولُونَ فى الدنيا رَبَّنا آمَنَّا صدقنا بك وبجميع ما جاء من عندك فَاغْفِرْ لَنا استر ذنوبنا وَارْحَمْنا وأنعم علينا بنعمك التي من جملتها الفوز بالجنة والنجاة من النار وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ لان رحمتك منبع كل رحمة فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا مهزوا بهم اى اسكتوا عن الدعاء بقولكم ربنا إلخ لانكم كنتم تستهزؤن بالداعين بقولهم ربنا آمنا إلخ وتتشاغلون حَتَّى أَنْسَوْكُمْ اى الاستهزاء بهم فان أنفسهم ليست سبب الانساء ذِكْرِي اى ذكركم إياي والخوف منى والعمل بطاعتي من فرط اشتغالكم باستهزائهم وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ وذلك غاية الاستهزاء وقال مقاتل نزلت فى بلال وعمار وسلمان وصهيب وأمثالهم من فقراء الصحابة كان كفار قريش كابى جهل وعتبة وابى بن خلف واضرابهم يستهزؤن بهم وبإسلامهم ويؤذونهم إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا بسبب صبرهم على اذيتهم والصبر حبس النفس عن الشهوات أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ تأنى مفعولى الجزاء اى جزيتهم فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به وفى التأويلات النجمية وفيه من اللطائف ان اهل السعادة كما ينتفعون بمعاملاتهم الصالحة مع الله من الله ينتفعون بانكار منكريهم واستخفاف مستهزئيهم وان اهل الشقاوة كما يخسرون بمعاملاتهم الفاسدة مع أنفسهم يخسرون باستهزائهم وانكارهم على الناصحين المرشدين قالَ الله تعالى تذكيرا لما لبثوا فيما سألوا الرجوع اليه من الدنيا بعد التنبيه على استحالته بقوله (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>