بعضهم بعضا كما كانوا يعرفون فى الدنيا فكأنهم لم يتفارقوا بسبب الموت إلا مدة قليلة لا تؤثر فى زوال ذلك التعارف أول ما خرجوا من القبور ثم ينقطع التعارف إذا عاينوا العذاب ويتبرأ بعضهم من بعضهم وهو حال اخرى مقدرة لان التعارف بعد الحشر يكون قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ شهادة من الله على خسرانهم وتعجب منه اى قد غبن المكذبون بالحساب والجزاء وَما كانُوا مُهْتَدِينَ فى تجارتهم إذ باعوا الايمان بالكفر والتصديق بالتكذيب فلم يكونوا على نفع وقد مضى الوقت
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ أصله ان نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط اى ان نبصرنك بان نظهر لك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب ونعجله فى حياتك كما أراه ببدر والجواب محذوف لظهوره اى فذاك هو المأمول وانا عليهم مقتدرون أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ان نريك فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ اى رجوعهم رجوعا اضطراريا فنريكه فى الآخرة وانا منهم منتقمون وهو جواب نتوفينك لان الرجوع انما يكون فى الآخرة بعد الموت فهو لا يصلح ان يكون جوابا للشرط وما عطف عليه ولان قوله تعالى فى حم الزخرف فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ يدل على ما ذكرنا والقرآن يفسر بعضه بعضا هكذا لاح ببال الفقير أصلحه الله القدير ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ اى مجاز على أفعالهم السيئة. ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع بثم الدالة على التراخي ولو كان المراد من الشهادة نفسها لم يصح الترتيب المذكور لانه تعالى شهيد على ما يفعلونه من التكذيب والمحاربة حال رجوعهم اليه تعالى وقبله وقال فى الكواشي ثم بمعنى الواو او لترتيب الاخبار نحو زيد قائم ثم هو كريم وليس التأخير عجزا بل للايذان بانه تعالى قادر عليهم فى كل آن وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم الماضية رَسُولٌ يبعث إليهم بشريعة خاصة مناسبة لاحوالهم ليدعوهم الى الحق فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ بالبينات فكذبوه قُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين كل امة ورسولها بِالْقِسْطِ بالعدل وحكم بنجاة الرسول والمؤمنين به وهلاك المكذبين وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ فى ذلك القضاء المستوجب لتعذيبهم لانه من نتائج أعمالهم يقول الفقير ان قلت يرد على ظاهر الآية زمان الفترة فانها بظاهرها ناطقة بانه لم يهمل امة قط ولم يبعث لاهل الفترة رسول كما يشهد عليه قوله تعالى لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قلت مساق الآية الكريمة على ان كل امة قضى لها بالهلاك قد انذروا اولا على لسان رسول من الرسل ولم يعذب اهل الفترة لان العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل غير رسول الله عليهما الصلاة والسلام فعذب أعقابهم ببدر وغيره لتكذيبهم رسول الله كما دل عليه قوله تعالى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وقد انتهت رسالة إسماعيل بموته كبقية الرسل لان ثبوت الرسالة بعد الموت من خصائص نبينا عليه السلام كما فى انسان العيون وبهذا ظهر بطلان قول ابن الشيخ فى حواشيه ان عموم الآية لا يقتضى ان يكون الرسول حاضرا مع كل واحدة منهم لان تقدم الرسول على بعض منهم لا يمنع من كونه رسولا الى ذلك البعض كما لا يمنع