المسلمون لانهم متبعوه فى اصل الإسلام وان اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم الذين مكروا به عليه السلام ومن يسير بسيرتهم من اليهود فان اهل السلام فوقهم ظاهرين بالعزة والمنعة والحجة إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غاية للجعل لا على معنى ان الجعل ينتهى حينئذ ويتخلص الكفرة من الذلة بل على معنى ان المسلمين بعلونهم الى تلك الغاية فاما بعدها فيفعل الله تعالى بهم ما يريد ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ اى رجوعكم بالبعث والضمير لعيسى عليه السلام وغيره من المتبعين له والكافرين به على تغليب المخاطب على الغائب فى ضمن الالتفات فانه ابلغ فى التبشير والانذار فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يومئذ اثر رجوعكم الى فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من امور الدين فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا بالسيف والسبي وأخذ الجزية وإيصال الأمراض والمصائب فانها من العقوبات فى حق الكافر ومن المثوبات فى حق المؤمن لانها ابتلاء محض له وَالْآخِرَةِ بعذاب النار وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونهم من عذاب الله فى الدارين وصيغة الجمع لمقابلة ضمير الجمع اى ليس لواحد منهم ناصر واحد وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بما أرسلت به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كما هو ديدن المؤمنين فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ اى يعطيهم أجور أعمالهم كاملة ولعل الالتفات الى الغيبة للايذان بما بين مصدرى التعذيب والاثابة من الاختلاف من حيث الجلال والجمال وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ اى يبغضهم ولا يرضى عنهم ذلِكَ اشارة الى ما سلف من نبأ عيسى عليه السلام وغيره نَتْلُوهُ عَلَيْكَ اى نقرأه عليك يا محمد وأسند تلاوته الى نفسه مع ان التالي هو الملك المأمور بها على طريق اسناد الفعل الى السبب الآمر وفيه تعظيم بليغ وتشريف عظيم للملك وانما حسن ذلك لان تلاوة جبريل لما كانت بامره تعالى من غير تفاوت أصلا أضيف ذلك اليه تعالى مِنَ الْآياتِ حال من الضمير المنصوب اى من العلامات الدالة على ثبوت رسالتك لانها اخبار لا يعلمها إلا قارئ الكتاب او من يوحى اليه فظاهر انك لا تكتب ولا تقرأ فبقى ان ذلك من الوحى وَالذِّكْرِ اى القرآن الْحَكِيمِ اى المشتمل على الحكم او المحكم الممنوع من تطرق الخلل اليه والاشارة ان الله تعالى قال لعيسى عليه السلام يا عيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ عن الصفات النفسانية والأوصاف الحيوانية وَرافِعُكَ إِلَيَّ بجذبات العناية فمن لم يصر فانيا عما سوى الله لا يكون له وصول الى مقام معرفة الله فعيسى لما رفع الى السماء صارت له حالة كحال الملائكة فى زوال الشهوات والغضب والأخلاق الذميمة. فعلى السالك ان ينهى نفسه عن الهوى ويتبع طريق الهدى ويعتبر بالآيات والذكر الحكيم كى يصل الى النعيم المقيم ويجتنب الظلم فان الله تعالى قال وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ اى الذين يظلمون على أنفسهم بانقضاء العمر فى طلب غير الله
خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند از خدا جز خدا
فاهل الطريقة هم الذين يمحون نقش الغير عن صفحات القلب ويزكون نفوسهم عن الأوصاف المذمومة فانها مانعة من العروج الى سماء المعرفة وعلو الوصال: قال مولانا جلال الدين رومى قدس سره