للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاتين الحقيقتين وَأَنَّ عَلَيْهِ اى على الله تعالى النَّشْأَةَ الْأُخْرى اى الخلقة الاخرى وهو الاحياء بعد الموت وفاء بوعده لا لانه يجب على الله كما يوهمه ظاهر كلمة على وفيه تصريح بأن الحكمة الالهية اقتضت النشأة الثانية الصورية للجزاء والمكافأة وإيصال المؤمنين بالتدريج الى كما لهم اللائق بهم ولو أراد تعجيل أجورهم في هذه الدار لضاقت الدنيا بأجر واحد منهم فما ظنك بالباقي ومن طلب تعجيل نتائج اعماله وأحواله في هذه الدار فقد أساء الأدب وعامل الموطن بما لا يقتضيه حقيقته واما إذا استقام العبد في مقام عبوديته وعجل له الحق نتيجة ما او كرامة فان من الأدب قبولها ان كانت مطهرة من شوآئب الحظوظ وبالجملة فالخير فيما اختاره الله لك ثم ان النشأة الاخرى الصورية مترتبة على كمال الفناء الصوري مع الاستعداد والتهيؤ لقبول الروح فكذا النشأة الاخرى المعنوية وهى البقاء والاتصاف بالصفات الالهية موقوفة على تمام الفناء المعنوي والانسلاخ عن الأوصاف البشرية بالكلية مع الاستعداد والتهيؤ لقبول الفيض وبالجملة فلا بد في كلتا النشأتين من صحة المزاج ألا ترى ان الجنين إذا فسد في الرحم سقط بل الرحم إذا فسدت لم تقبل العلوق والى الولادة الثانية التي هى النشأة الاخرى أشار عيسى عليه السلام بقوله لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين ومعنى ملكوت السموات حقائقها وأنوارها واسرارها فكل نبى وولى وارث متحقق بهذا الولوج والولادة الثانية وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى اعطى الغنى للناس بالأموال وَأَقْنى واعطى القنية وهى ما يتأثل من الأموال اى يتخذ أصلا ويدخر بان يقصد حفظه استثمارا واستنماء وان لا يخرج عن ملكه وفي المثل لا تقتن من كلب سوء جروا يقال قنوت الغنم وغيرها وقنيتها قنية وقنية أذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة وفي تاج المصادر الإقناء سرمايه دادن وخشنود كردن قال بعضهم اغنى الناس بالكفاية والأموال واعطى القنية وما يدخرونه بعد الكفاية وقال الضحاك اغنى بالذهب والفضة والثياب والمسكن واقنى بالإبل والبقر والغنم والدواب وافراد القنية بالذكر اى بعد قوله اغنى لانها اشرف الأموال وأفضلها او معنى اقنى ارضى وتحقيقه جعل الرضى له قنية والأوفق لما تقدمه من الآي المشتملة على مراعاة صنعة الطباق ان يحمل على معنى أفقر على ان تكون الهمزة ى في اقنى للارالة كما قاله سعدى المفتى قال الجنيد قدس سره اغنى قوما به وأفقر قوما منه وقال بعضهم فيه اشارة الى افاضة الفيض الإلهي على القلب السليم المستقيم الثابت على دين الله كما قال عليه السلام اللهم ثبت قلبى على دينك وابقاء ذلك الفيض الإلهي عليه بحيث لا يستهلك الفيض ولا يضمحل تحت غلبة ظلمة النفس الامارة بالسوء لتمكن ذلك القلب وعدم تلونه بخلاف القلب المتلون فانه لعدم تمكنه في بعض الأوقات يتكدر بظلمة النفس ويزول عنه ذلك النور المفاض عليه المضاف اليه وهو المعنى بقوله اقنى اى جعل فيه ذلك النور قنية ثم ان الآية دلت على اباحة التأثل من الأموال النافعة دون غيرها ولذا نهى عن اقتناء الكلب اى إمساكه بلا فائدة من جهة حفظ الزرع او الضرع او نحو ذلك والنفس الامارة أشد من الكلب العقور ففى اقتناء الروح النامي مندوحة عن اقتنائها ابتر عقيم لا خير فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>