بمسارعتهم الى الاتباع فكأنه لم يتراخ من الإرسال والتبليغ بل وقعا فى وقت واحد وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ قال الكاشفى [نبود كار فرعون بر نهج رشد وصواب] وقال غيره الرشد مستعمل فى كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغى فى كل ما يذم ويتسخط فهو ضد الغى والرشيد بمعنى المرشد والاسناد مجازى. والمعنى وما هو مرشد الى خير وهو عى محض وضلال صريح وانما يتبع العقلاء من يرشدهم ويهديهم لا من يضلهم ويغويهم وفيه تجهيل لمتبعيه يَقْدُمُ فى الصحاح قدم بالفتح يقدم قدما اى تقدم وهو استئناف لبيان حاله فى الآخرة قَوْمَهُ جميعا من الاشراف وغيرهم يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يتقدمهم يوم الآخرة الى النار وهم خلفه ويقودهم الى النار كما كانوا يتبعونه فى الدنيا ويقودهم الى الضلال فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ اى يوردهم ويدخلهم فيها. وإيثار صيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع لا محالة لان الماضي متيقن الوجود واعلم ان الورود عبارة عن المجيء الى الماء والا يراد إحضار الغير والمورد الماء فشبه فرعون بالفارط الذي يتقدم الواردة الى الماء واتباعه بالواردة والنار بالماء الذي يردونه ثم قيل وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ اى بئس المورد الذي يردونه النار لان الورد انما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار على ضد ذلك وَأُتْبِعُوا اى الملأ الذين اتبعوا امر فرعون فِي هذِهِ اى فى الدنيا لَعْنَةً لعنة عظيمة حيث لعنهم من بعدهم من الأمم وَيَوْمَ الْقِيامَةِ اى حيث يلعنهم اهل الموقف قاطبة فهى تابعة لهم حيثما ساروا دائرة معهم أينما داروا فكما اتبعوا امر فرعون اتبعتهم اللعنة فى الدارين جزاء وفاقا او يلعنون ويطردون من رحمة الله تعالى فى الدنيا بالغرق والآخرة بما فيها من عذاب فان كل معذب ملعون مطرود من الرحمة كما ان كل مخذول محروم من التوفيق والعناية كذلك واكتفى ببيان حالهم الفظيع عن بيان حال فرعون إذ حين كان حالهم هكذا فما ظنك بحال من أغواهم وألقاهم فى هذا الضلال البعيد وحيث كان شان الاتباع ان تكون أعوانا للمتبوع جعلت اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقيل بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ الرفد قد جاء بمعنى العون وبمعنى العطية والملائم هنا هو الاول قال الزجاج كل شىء جعلته عونا لشئ وأسندت به شيأ فقد رفدته. والمعنى بئس العون المعان رفدهم وهى اللعنة فى الدارين وذلك ان اللعنة فى الدنيا رفد للعذاب ومددله وقد رفدت باللعنة فى الآخرة. وفى الآية بيان شقاء فرعون وانه لم ينفعه إيمانه حين الغرق ولو نفعه لما كان قائد قومه الى النار وفى الفتوحات فى الباب الثاني والستين المجرمون اربع طوائف كلها فى النار لا يخرجون منها وهم المتكبرون على الله تعالى كفرعون وأمثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله تعالى فقال يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي وقال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى يريد انه ليس فى السماء اله غيرى وكذلك نمرود وغيره وقال فى الفتوحات فى موضع آخر هو معتقدى وغير هذا قلت على سبيل البحث والاستكشاف انتهى وعلى هذا يحمل ما فى فصوص الحكم من كونه مقبوضا على الطهارة فتدبر وامسك لسانك عن الشيخ فان لكلمات الكبار محامل كثيرة والقرآن لا ينقضى عجائبه وهى بكر بالنسبة الى ارباب الرسوم هدانا الله وإياكم الى حقيقة العلم والعمل