والميت ما زال عنه ذلك وجه التمثيل ان المؤمن منتفع بحياته إذ ظاهره ذكر وباطنه فكر دون الكافر إذ ظاهره عاطل وباطنه باطل وقال بعض العلماء هو تمثيل للعلماء والجهال وتشبيه الجهلة بالأموات شائع ومنه قوله
لا تعجبن الجهول خلته ... فاته الميت ثوبه كفن
لان الحياة المعتبرة هى حياة الأرواح والقلوب وذلك بالحكم والمعارف ولا عبرة بحياة الأجساد بدونها لاشتراك البهائم فيها قال بعض الكبار الاحياء عند التحقيق هم الواصلون بالفناء التام الى الحياة الحقيقية وهم الذين ماتوا بالاختيار قبل ان يموتوا بالاضطرار ومعنى موتهم إفناء أفعالهم وصفاتهم وذواتهم فى افعال الحق وصفاته وذاته وازالة وجودياتهم بالكلية طبيعة ونفسا واليه الاشارة بقوله عليه السلام (من أراد ان ينظر الى ميت متحرك فلينظر الى ابى بكر) فالحياة المعنوية لا يطرأ عليها الفناء بخلاف الحياة الصورية فانها تزول بالموت فطوبى لاهل الحياة الباقية وللمقارنين بهم والآخذين عنهم قال ابراهيم الهروي كنت بمجلس ابى يزيد البسطامي قدس سره فقال بعضهم ان فلانا أخذ العلم من فلان قال ابو يزيد المساكين أخذوا العلوم من الموتى ونحن أخذنا العلم من حى لا يموت وهو العلم اللدني الذي يحصل من طريق الإلهام بدون تطلب وتكلف: قال الشيخ سعدى قدس سره
نه مردم همين استخوانند و پوست ... نه هر صورتى جان ومعنى دروست
نه سلطان خريدار هر بنده ايست ... نه در زير هر ژنده زنده ايست
إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ كلامه اسماع فهم واتعاظ وذلك بإحياء القلب مَنْ يَشاءُ ان يسمعه فينتفع بانذارك وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ جمع قبر وهو مقر الميت وقبرته جعلته فى القبر. وهذا الكلام ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع فى إقناطه عليه السلام من ايمانهم وترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه شبه الله تعالى من طبع على قلبه بالموتى فى عدم القدرة على الاجابة فكما لا يسمع اصحاب القبور ولا يجيبون كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق إِنْ ما أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ منذر بالنار والعقاب واما الاسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك اليه فى المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى وقوله (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ) إلخ وقوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقوله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وغير ذلك لتمييز مقام الالوهية عن مقام النبوة كيلا يشتبها على الامة فيضلوا عن سبيل الله كما ضل بعض الأمم السالفة فقال بعضهم عزير ابن الله وقال بعضهم المسيح ابن الله وذلك من كمال رحمته لهذه الامة وحسن توفيقه يقول الفقير أيقظه الله القدير ان قلت قد ثبت انه عليه السلام امر يوم بدر بطرح أجساد الكفار فى القليب ثم ناداهم بأسمائهم وقال (هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدني الله حقا) فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجساد الأرواح فيها فقال عليه السلام (ما أنتم باسمع لما أقول منهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا شيأ) فهذا الخبر يقتضى ان النبي عليه السلام اسمع من فى القليب وهم موتى وايضا تلقين الميت بعد الدفن للاسماع والا فلا