فقال أحييناها والاحياء فى الحقيقة إعطاء الحياة وهى صفة تقتضى الحس والحركة والمعنى هاهنا هيجنا القوى النامية فيها وأحدثنا نضارتها بانواع النباتات فى وقت الربيع بانزال الماء من بحر الحياة وكذلك النشور فانا نحيى الأبدان البالية المتلاشية فى الأجداث بانزال ورشحات من بحر الجود فنعيدهم احياء كما ابدعناهم اولا من العدم وَأَخْرَجْنا مِنْها اى من الأرض حَبًّا الحب الذي يطحن والبزر الذي يعصر منه الدهن وهو جمع حبة والمراد جنس الحبوب التي تصلح قواما للناس من الارز والذرة والحنطة وغيرها فَمِنْهُ اى فمن الحب يَأْكُلُونَ تقديم الصلة ليس لحصر جنس المأكول فى الحب حتى يلزم ان لا يؤكل غيره بل هو لحصر معظم المأكول فيه فان الحب معظم ما يؤكل ويعاش به ومنه صلاح الانس حتى إذا قلّ قلّ الصلاح وكثر الضر والصياح وإذا فقد فقد النجاح باختلال الأشباح والأرواح ولامر ما قال عليه السلام (أكرموا الخبز فان الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله) وقال عليه السلام (أكرموا الخبز فان الله سخر له بركات السموات والأرض والحديد والبقر وابن آدم ولا تسندوا القصعة بالخبز فانه ما اهانه قوم الا ابتلاهم الله بالجوع) وقال عليه السلام (اللهم متعنا بالإسلام وبالخبز فلولا الخبز ما صمنا ولا صلينا ولا حججنا ولا غزونا وارزقنا الخبز والحنطة) كما فى بحر العلوم قال فى شرعة الإسلام ويكرم الخبز بأقصى ما يمكن فانه يعمل فى كل لقمة يأكلها الإنسان من الخبز ثلاثمائة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزانة الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والافلاك وملائكة الهواء ودواب الأرض وآخرهم الخباز: قال الشيخ سعدى قدس سره
ابر وباد ومه وخورشيد وفلك در كارند ... تا تو نانى بكف آرى وبغفلت نخورى
همه از بهر تو سر كشته وفرمان بردار ... شرط انصاف نباشد كه تو فرمان نبرى
ومن إكرام الخبز ان يلتقط الكسرة من الأرض وان قلت فيأكلها تعظيما لنعمة الله تعالى وفى الحديث (من أكل ما يسقط من المائدة عاش فى وسعة وعوفى فى ولده وولد ولده من الحمق) ويقال ان التقاط الفتات مهور الحور العين ولا يضع القصعة على الخبز ولا غيرها الا ما يؤكل به من الادام. ويكره مسح الأصابع والسكين بالخبز الا إذا أكله بعده وكذا يكره وضع الخبز جنب القصعة لتستوى. وكذا يكره أكل وجه الخبز او جوفه ورمى باقيه لما فى كل ذلك من الاستخفاف بالخبز والاستخفاف بالخبز يورث الغلاء والقحط كذا فى شرح النقاية والعوارف- وذكر- ان الارز خلق من عرق النبي عليه السلام. زعم بعضهم ان اهل الهند لما منعوا من إخراجه الى الروم أطعموه البط ثم ذبحوه فاخرجوه خيفة منهم بهذه الحيلة قال بعض الكبار من لم يأكل الارز بهذا الزعم فليأكل السم وَجَعَلْنا فِيها وخلقنا فى الأرض جَنَّاتٍ بساتين مملوءة مِنْ نَخِيلٍ جمع نخلة وَأَعْنابٍ جمع عنب اى من انواع النخل والعنب ولذلك جمعا دون الحب فان الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الأنواع فان قلت لم ذكر النخيل دون التمور حتى يطابق الحب والأعناب فى كونها مأكولة لان التمور والحب والأعناب كلها مأكولة دون النخيل قلت لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع