للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومصارعهم تحت التراب وتأملوا كيف تبددت اجزاؤهم وكيف ارملوا نساءهم وأيتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وهلكت بعدهم صغارهم وكبارهم وانقطعت آثارهم وديارهم فلم يرجع من كفر بنعمة الله الا الى العذاب والخسران ولم يصر الا الى دركات النيران فمن كانت غفلته كغفلتهم فسيصير الى ما صاروا اليه وان عاش طويلا فان الله يمهل ولا يهمل قال تعالى نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ وما الحياة والتمتع بها الا قليل. فالدنيا ساعة فاجعلها طاعة لعلك تلحق بالجماعة من اهل الوصول وارباب القبول. وجميع الطاعات من اسباب الفلاح خصوصا الصلاة أفضل العبادات وأعلاها واشرف الطاعات وأسناها. والصوم سبب الولوج فى ملكوت السموات وواسطة الخروج من رحم مضايق الجسمانيات المعبر عنه بالنشأة الثانية كما أشير اليه بقول عيسى عليه السلام [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] بل مجاهدة الصوم رابطة مشاهدة اللقاء واليه يشير الحديث القدسي وهو قوله جل شانه (الصوم لى وانا اجزى به) يعنى انا جزاؤه ولهذا علق سبحانه نيل سعادة الرؤية بالجوع حيث قال فى مخاطبة عيسى عليه السلام [تجوع ترانى]

همى آيد از حق ندا متصل ... تجوع ترانى تجرد تصل

رزقنا الله وإياكم ما كانَ اللَّهُ مريدا لِيَذَرَ لان يترك الْمُؤْمِنِينَ المخلصين عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ الخطاب لعامة المخلصين والمنافقين فى عصره حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ماز الشيء يميزه ميزا عزله وافرزه والمعنى ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض وانه لا يعرف مخلصكم من منافقكم لا تفاقكم على التصديق جميعا حتى يميز المنافق من المخلص بالوحى الى نبيه بأحوالكم او بالجهاد او بالهجرة وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ اى وما كان الله ليؤتى أحدكم علم الغيب فيطلع على ما فى القلوب من كفر وايمان وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي يصطفى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فيوحى اليه ويخبره ببعض المغيبات او ينصب له ما يدل عليها فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ

بصفة الإخلاص او بان تعلموه وحده مطلعا على الغيب وتعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون الا ما علمهم الله ولا يعلمون الا ما اوحى إليهم وَإِنْ تُؤْمِنُوا حق الايمان وَتَتَّقُوا النفاق فَلَكُمْ بمقابلة ذلك الايمان والتقوى أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يبلغ كنهه وهذا الاجر على قدر عظم التقوى فان السير الى المقصد الأعلى والوصول الى منازل الاجتباء لا يتهيأ الا بقدمي التقى

قدم بايد اندر طريقت نه دم ... كه أصلي ندارد دم بي قدم

قال ابراهيم بن أدهم بت ليلة تحت صخرة بيت المقدس فلما كان بعض الليل نزل ملكان فقال أحدهما لصاحبه من هاهنا فقال الآخر ابراهيم بن أدهم فقال ذلك الذي حط الله درجة من درجاته فقال لم قال لانه اشترى بالبصرة التمر فوقعت تمرة على تمرة من تمر البقال قال ابراهيم فمضيت الى البصرة واشتريت التمر من ذلك الرجل وأوقعت تمرة على تمره ورجعت الى بيت المقدس وبت فى الصخرة فلما كان بعض الليل إذا انا بملكين قد نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه من هاهنا فقال أحدهما ذلك الذي رد التمرة الى مكانه فرفعت درجته فهذا هو التقوى على

<<  <  ج: ص:  >  >>