بهذا المثل كَثِيراً من المؤمنين لتصديقهم به فيزدادون هداية يعنى يضل به من علم منهم انه يختار الضلالة ويهدى به من علم انه يختار الهدى فان قلت لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم قلت اهل الهدى كثير في أنفسهم وحين يوصفون بالقلة انما يوصفون بها بالقياس الى اهل الضلال وايضا فان القليل من المهديين كثير في الحقيقة وان قلوا في الصورة لان هؤلاء على الحق وهم على الباطل وعن ابن مسعود رضى الله عنه السواد الأعظم هو الواحد على الحق وَما يُضِلُّ بِهِ اى لا يخذل بالمثل وتكذيبه إِلَّا الْفاسِقِينَ اى الكافرين بالله الخارجين عن امره والفسق فى اللغة الخروج وفي الشريعة الخروج عن طاعة الله بارتكاب الكبيرة التي من جملتها الإصرار على الصغيرة وله طبقات ثلاث الاولى التغابي وهو ارتكابها أحيانا مستقبحا لها والثانية الانهماك فى تعاطيها والثالثة المثابرة عليها مع جحود قبحها وهذه الطبقة من مراتب الكفر فما لم يبلغها الفاسق لا يسلب عنه اسم المؤمن لاتصافه بالتصديق الذي عليه يدور الايمان الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ اى يخالفون ويتركون امر الله تعالى والنقض الفسخ وفك التركيب فان قلت من اين ساغ استعمال النقض في ابطال العهد قلت من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين قيل عهد الله ثلاثة الاول ما اخذه على ذرية آدم عليه السلام بان يقروا بربوبيته تعالى والثاني ما اخذه على الأنبياء عليهم السلام بان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه والثالث ما اخذه على العلماء بان يبينوا الحق ولا يكتموه مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ اى بعد توثيق ذلك العهد وتوكيده بالقبول فالضمير للعهد او بعد توثيق الله ذلك بانزال الكتب وإرسال الرسل فالضمير الى الله فالمراد بالميثاق هنا نفس المصدر لا نفس العهد- يحكى- عن مالك بن دينار رحمه الله انه كان له ابن عم عامل سلطان في زمانهم وكان ظالما جائرا فمرض ذلك الرجل ونذر وعهد على نفسه وقال لو عافانى الله تعالى مما انا فيه لا ادخل في عمل السلطان ابدا قال فأبرأه الله من ذلك المرض فدخل في عمل السلطان ثانيا فظلم الناس اكثر مما ظلمهم في المرة الاولى فمرض ثانيا فنذر ثانيا ان لا يرجع الى عمل السلطان فبرئ ونقض العهد ودخل فيه وظلم اكثر مما ظلم في المرتين فظهرت به علة شديدة فاخبر بذلك مالك بن دينار فراره وقال يا بنى أوجب على نفسك شيأ وعاهد مع الله عهدا لعلك تنجو من هذه العلة فقال المريض عاهدت الله ان لو قمت من فراشى ان لا أعود الى عمل السلطان ابدا فهتف هاتف يا مالك انا قد جربناه مرارا فوجدناه كذوبا فلا ينفعه نذره اى جربناه بنفسه فاكذب نفسه فمات الفتى على هذه الحالة كذا في روضة العلماء: قال في المثنوى
نقض ميثاق وشكست توبها ... موجب لعنت شود در انتها
وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ محل ان يوصل النصب على أنه بدل من ضمير الموصول اى ما امر الله به ان يوصل وهو يحتمل كل قطيعة لا يرضى بها الله سبحانه كقطع الرحم وموالاة المؤمنين والتفرقة بين الأنبياء عليهم السلام والكتب في التصديق وترك الجماعات المفروضة وسائر ما فيه رفض خير او تعاطى شر فانه يقطع ما بين الله تعالى وبين العبد من الوصلة التي هي المقصودة بالذات من كل وصل وفصل وفي الحديث (إذا اظهر الناس العلم وضيعوا العمل به وتحابوا بالألسن