روحانية جلاله وآمنوا بافئدة ربانية الهية فاجابوه على العبودية وقالوا بلى أنت ربنا المعبود سمعنا واطعنا فاخذ مواثيقهم ان لا يعبدوا الا إياه وسمع اصحاب المشأمة خطابه بسمع روحانى من وراء حجاب العزة وفى آذانهم وقر الغرة وعلى أبصارهم غشاوة الشقاوة وعلى افئدتهم ختم المحنة فاجابوه على الكلفة وقالوا بلى أنت ربنا سمعنا كرها فاخذ مواثيقهم على العبودية فالآن يرجع التفاوت بين الخليقة فى الكفر والايمان الى تفاوت الاستعدادات الروحانية والربانية فافهم جدا ثم اعلم انا لا نجد ان الله تعالى ذكر انه كلم أحدا وهو بعد فى العدم الا بنى آدم فانه كلمهم وهم غير موجودين وأجابوه وهم معدومون فجرى بالجود ما جرى لا بالوجود فهذا بدايتهم والى هذا تنتهى نهايتهم بان يكون الله تعالى هو سمعهم وأبصارهم وألسنتهم كما قال (كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبي يبصر وبي ينطق) والى هذا أشار الجنيد حين سئل ما النهاية قال الرجوع الى البداية انتهى كلام التأويلات النجمية باختصار وقد عرفت من هذا ان اهل الحقيقة جار فى هذا المسك على حقيقته لان من غلب روحانيته على جسمائيته يرى الأمر سهلا ولا يصعب عليه شىء خلافا لاهل الظاهر والمعتزلة أنكروا هذه الرواية وقالوا ان البينة شرط لحصول الحياة والعقل والفهم فتلك الذريات المأخوذة من ظهور بنى آدم لا يكون أحد منهم عالما فاهما عاقلا الا إذا حصل له قدر من الجسامة والبنية اللحمية والدموية وإذا كان كذلك فمجموع تلك الاشخاص الذين خرجوا الى الوجود من أول تخليق آدم الى قيام الساعة لا تحويهم عرصة الدنيا فكيف يمكن ان يقال انهم حصلوا باسرهم دفعة واحدة فى صلب آدم فانظر الى هذا القول الضعيف والرأى السخيف ولو قلت لهم هل يستطيع الله ان يجعل السموات والأرضين والجبال والشجر والماء فى بيضة من عير ان يزيد فى البيضة شيأ ومن غير ان ينقص من هذا شيأ لقالوا لا والعياذ بالله فعليك برعاية عهد ألست حتى ينكشف لك ما هو مستور عنك وعن امثالك وينجلى الغيب كالشمس فى مرآة بالك فتنظر كيف الصورة والمعنى والظهور والخفاء وَاتْلُ اقرأ يا محمد عَلَيْهِمْ اى على اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا اى خبره الذي له شأن وخطر فان النبأ خبر عن امر عظيم ومعنى آتيناه آياتنا اى علمناه دلائل الوهيتنا ووحدانيتنا وفهمناه تلك الدلائل وفيه اقوال والأنسب بمقام توبيخ اليهود ببهتانهم انه أحد علماء بنى إسرائيل كما فى الإرشاد او هو بلعم بن باعورا كما فى منهاج العابدين للامام الغزالي وقولهم انه من الكنعانيين الجبارين انما هو لكونه ساكنا فى دارهم والمرء ينسب الى منشأة ومولوده كما هو اللائح فافهم والأسلم فى تقرير القصة ما ذكره الحدادي فى تفسيره نقلا عن ابن عباس وابن مسعود حيث قال كان عابدا من عباد بنى إسرائيل وكان فى المدينة التي قصدها موسى عليه السلام وكان اهل تلك المدينة كفارا وكان عنده اسم الله الأعظم فسأله ملكهم ان يدعوا على موسى بالاسم الأعظم ليدفعه عن تلك المدينة فقال لهم دينه ودينى واحد وهذا شىء لا يكون وكيف ادعو عليه وهو نبى الله ومعه الملائكة والمؤمنون وانا اعلم من الله ما اعلم وانى ان فعلت ذلك أذهبت دنياى وآخرتي فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه