ربه كما وقع للنصرانى المذكور حين رأى الكعبة التي هى صورة سر الذات وكما وقع لعبد الله ابن سلام فانه حين رأى النبي عليه السلام آمن وقال عرفت انه ليس بوجه كذاب نسأل الله حقيقة الصدق والإخلاص والتمتع بثمرات اهل الاختصاص وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع فى مدافعة العدو اى جدوا وبذلوا وسعهم فى شأننا وحقنا ولو جهنا خالصا. واطلق المجاهدة ليعم جهاد الأعداء الظاهرة والباطنة اما الاول فكجهاد الكفار المحاربين واما الثاني فكجهاد النفس والشيطان وفى الحديث (جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم) ويكون الجهاد باليد واللسان كما قال عليه السلام (جاهدوا الكفار بايديكم والسنتكم) اى بما يسوءهم من الكلام كالهجو ونحوه قال ابن عطاء المجاهدة صدق الافتقار الى الله بالانقطاع عن كل ما سواه وقال عبد الله بن المبارك المجاهدة علم ادب الخدمة فان ادب الخدمة أعز من الخدمة وفى الكواشي المجاهدة غض البصر وحفظ اللسان وخطرات القلب ويجمعها الخروج عن العادات البشرية انتهى فيدخل فيها الغرض والقصد لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا الهداية الدلالة الى ما يوصل الى المطلوب. والسبل جمع سبيل وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك ويلزمه السهولة ولهذا قال الامام الراغب السبيل الطريق الذي فيه سهولة انتهى. وانما جمع لان الطريق الى الله بعدد أنفاس الخلائق والمعنى سبل السير إلينا والوصول الى جنابنا وقال ابن عباس رضى الله عنهما يريد المهاجرين والأنصار اى والذين جاهدوا المشركين وقاتلوهم فى نصرة ديننا لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة والرضوان وقال بعضهم معنى الهداية هاهنا التثبيت عليها والزيادة فيها فانه تعالى يزيد المجاهدين هداية كما يزيد الكافرين ضلالة فالمعنى لنزيدنهم هداية الى سبل الخير وتوفيقا لسلوكها كقوله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) وفى الحديث (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) وفى الحديث (من أخلص لله أربعين صباحا انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله والذين جاهدوا فى اقامة السنة لنهدينهم سبيل الجنة ثم قيل مثل السنة فى الدنيا كمثل الجنة فى العقبى من دخل الجنة فى العقبى سلم كذلك من لزم السنة فى الدنيا سلم ويقال والذين جاهدوا بالتوبة لنهدينهم الى الإخلاص. والذين جاهدوا فى طلب العلم لنهدينهم الى طريق العمل به. والذين جاهدوا فى رضانا لنهدينهم الى الوصول الى محل الرضوان. والذين جاهدوا فى خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والانس بنا والمشاهدة لنا. والذين اشغلوا ظواهرهم بالوظائف أوصلنا الى أسرارهم اللطائف والعجب ممن يعجز عن ظاهره ويطمع فى باطنه ومن لم يكن أوائل حاله المجاهدة كانت أوقاته موصولة بالأماني ويكون حظه البعد من حيث يأمل القرب والحاصل انه بقدر الجد تكتسب المعالي فمن جاهد بالشريعة وصل الى الجنة ومن جاهد بالطريقة وصل الى الهدى ومن جاهد بالمعرفة والانفصال عما سوى الله وصل الى العين واللقاء. ومن تقدمت مجاهدته على مشاهدته كما دلت الآية عليه صار مريدا مرادا وسالكا مجذوبا وهو أعلى درجة ممن تقدمت مشاهدته على مجاهدته وصار مرادا مريدا ومجذوبا سالكا لان سلوكه على وفق العادة الالهية ولانه متمكن