للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد الى كمال مقصوده بمنه وكرمه وسعة جوده انتهى كلام التأويلات وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ شروع فى بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من السفر ولقاء العدو والمطر والمرض اى إذا سافرتم أي مسافرة كانت للهجرة او للجهاد او لغيرهما فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى حرج ومأثم فى أَنْ تَقْصُرُوا شيأ مِنَ الصَّلاةِ فهو صفة لمحذوف والقصر خلاف المد يقال قصرت الشيء اى جعلته قصيرا بحذف بعض اجرائه او أوصافه فمتعلق القصر حقيقة انما هو ذلك الشيء لا بعضه فانه متعلق الحذف دون القصر وعلى هذا فقوله من الصلاة ينبغى ان يكون مفعولا لتقصروا على زيادة من حسبما رآه الأخفش واما على تقدير ان تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا كما هو رأى سيبويه اى شيأ من الصلاة فينبغى ان يصار الى وصف الجزء بصفة الكل والمراد قصر الرباعيات بالتنصيف فانها تصلى فى السفر ركعتين فالقصر انما يدخل فى صلاة الظهر والعصر والعشاء دون المغرب والفجر وادنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند ابى حنيفة رحمه الله مسيرة ثلاثة ايام ولياليها الأيام للمشى والليالى للاستراحة بسير الإبل ومشى الاقدام بالاقتصاد ولا اعتبار بإبطاء الضارب اى المسافر السائر واسراعه فلو سار مسيرة ثلاثة ايام ولياليهن فى يوم قصر ولو سار مسيرة يوم فى ثلاثة ايام لم يقصر ثم تلك المسيرة ستة برد جمع بريد كل بريد اربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال باميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قدر أميال البادية كل ميل اثنا عشر الف قدم وهى اربعة آلاف خطوة فان كل ثلاثة أقدام خطوة. وظاهر الآية الكريمة التخيير بين القصر والإتمام وان الإتمام أفضل لكن عندنا يجب القصر لا محالة خلا ان بعض مشايخنا سماه عزيمة وبعضهم رخصة إسقاط بحيث لا مساغ للاتمام لا رخصة توفية إذ لا معنى للتخيير بين الأخف والأثقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدقة تصدق الله بها عليكم) وهو يدل على عدم جواز الا كمال لان التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض لا يحتمل الرد فليس لنا الا التدين بما شرع الله والعمل بما حكم. قال فى الأشباه القصر للمسافر عندنا رخصة إسقاط بمعنى العزيمة بمعنى ان الإتمام لم يبق مشروعا حتى اثم به وفسدت لو أتم ومن لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاته لاتصال النافلة بها قبل كمال أركانها وان قعد فى آخر الركعة الثانية قدر التشهد اجزأته الأخريان نافلة ويصير مسيئا بتأخير السلام. قال فى تفسير الحدادي المسافر إذا صلى الظهر أربعا ولم يقعد فى الثانية قدر التشهد فسدت صلاته كمصلى الفجر أربعا انتهى فان قلت فما تصنع بقوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا فلم ورد ذلك بنفي الجناح. قلت لما انهم الفوا الإتمام فكانوا مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فصرح بنفي الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا اليه كما فى قوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما مع ان ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند الشافعي ثم ان العاصي كالمطيع فى رخصة السفر حتى ان الآبق وقاطع الطريق يقصران لان المقيم العاصي يمسح يوما وليلة كالمقيم المطيع فكذا المسافر ولان السفر ليس بمعصية فلا يعتبر غرض العاصي إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان خفتم

<<  <  ج: ص:  >  >>