فان عبادتها وان لم تكن تغييرا لصورها لكنها تغيير لصفتها فان شيأ منها لم يخلق لان يعبد من دون الله وانما خلق لينتفع به العباد على الوجه الذي خلق لاجله وكذا الكفر بالله وعصيانه فانه ايضا تغيير خلق الله من وجهه صفة فانه تعالى فطر الخلق على استعداد التحلي بحلية الايمان والطاعة ومن كفر بالله وعصاه فقد أبطل ذلك الاستعداد وغير فطرة الله صفة ويؤيده قوله عليه السلام (كل مولود يولد على فطرة الإسلام فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) وكذا استعمال الجوارح فى غير ما خلقت لاجله تغيير لها عن وجهها صفة.
والجمل الأربع وهى لأتخذن ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم كل واحدة منها مقول للشيطان فلا يخلو اما ان يقولها بلسان جسمه او بلسان فعله وحاله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ بايثار ما يدعو اليه على ما امره الله به ومجاوزته عن طاعة الله تعالى الى طاعته فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً لانه ضيع رأس ماله بالكلية وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار يَعِدُهُمْ ما لا ينجزه من طول العمر والعافية ونيل لذائذ الدنيا من الجاه والمال وقضاء شهوات النفس وَيُمَنِّيهِمْ مالا ينالون نحو ان لا بعث ولا حساب ولا جزاء او نيل المثوبات الاخروية من غير عمل وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً وهو اظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بإلقاء الخواطر الفاسدة او بألسنة أوليائه. وغرورا اما مفعول ثان للوعد او مفعول لاجله اى ما يعدهم لشىء الا لان يغرهم. واعلم ان العمدة فى إغواء الشيطان ان يزين زخارف الدنيا ويلقى الأماني فى قلب الإنسان مثل ان يلقى فى قلبه انه سيطول عمره وينال من الدنيا أمله ومقصوده ويستولى على أعدائه ويحصل له ما تيسر لارباب المناصب والأموال وكل ذلك غرور لانه ربما لا يطول عمره وان طال فربما لا ينال أمله ومطلوبه وان طال عمره ووجد مطلوبه على احسن الوجوه فلا بد ان يفارقه بالموت فيقع فى أعظم انواع الغم والحسرة فان تعلق القلب بالمحبوب كلما كان أشد وأقوى كانت مفارقته أعظم تأثيرا فى حصول الغم والحسرة ولذلك قيل
الفت مكير همچوالف هيچ با كسى ... تا بشنوى الم نشوى وقت انقطاع.
فنبه سبحانه وتعالى على ان الشيطان انما يعد ويمنى لاجل ان يغر الإنسان ويخدعه ويفوت عنه أعز المطالب وانفع المآرب. فالعاقل من لا يتبع وسواس الشيطان ويبتغى رضى الرحمن بالتمسك بكتابه العظيم وسنن رسوله الكريم والعمل بهما ليفوز فوزا عظيما وكفى بذلك نصيحة أُولئِكَ اشارة الى اولياء الشيطان وهو مبتدأ مَأْواهُمْ اى مستقرهم وهو مبتدأ ثان جَهَنَّمُ خبر للثانى والجملة خبر للاول وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً اى معدلا ومهربا من حاص يحيص إذا عدل وعنها متعلق بمحذوف وقع حالا من محيصا اى كائنا عنها ولا يجوز ان يتعلق بيجدون لانه لا يتعدى بعن ولا بقوله محيصا لانه اما اسم مكان وهو لا يعمل مطلقا واما مصدر ومعمول المصدر لا يتقدم عليه. والاشارة ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم السعداء وخلق النار وخلق لها أهلا وهم الأشقياء وخلق الشيطان مزينا وداعيا وآمرا بالهوى فمن يرى حقيقة الإضلال ومشيئته من إبليس فهو إبليس وقد قال تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ