شىء ملكوتا هو قائم به وقيام الملكوت بيده تعالى كما قال (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) وعالم الملكوت هو الحياة المحض والعلم كما قال (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) والملكوت هو عالم الأرواح فلكل شىء روح منه بحسب استعداده لقابلية الروح فخلق الإنسان فى احسن تقويم لقابلية الروح الأعظم فلهذا صار كاملهم أفضل المخلوقات وأكرمها فهو يعلم خصوصية صلاته وتسبيحه على قدر حظه من عالم الملكوت بل على قدر حظه من عالم الربوبية وهو متفرد به عما دونه والملك يعلم صلاته وتسبيحه على قدر حظه من عالم الملكوت والحيوانات والجمادات تعلم صلاتها وتسبيحها بملكوتها بلا شعور منها بالصورة (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) اى بحقيقته بالكمال وهم يعلمون بحسب استعدادهم انتهى ما فى التأويلات وهذا لا ينفى نطق الجمادات عند إنطاق الله تعالى وكذا نطق الحيوانات العجم بطريق خرق العادة او بطريق لا يسمعه ولا يفهمه الا اهل الكشف والعيان كما سبق أمثلته فى سورة الاسراء نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن لا يمضى نفسه الا بذكر شريف ولا يمر وقته الا بحال لطيف انه الفياض الوهاب الجواد أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً الإزجاء سوق الشيء برفق وسهولة لينساق غلب فى سوق شىء يسير أو غير معتد به ومنه البضاعة المزجاة فانها يزجيها كل أحد ويدفعها لقلة الاعتداد بها. ففيه ايماء الى ان السحاب بالنسبة الى قدرته تعالى مما لا يعتد به ويسمى السحاب سحابا لانسحابه فى الهواء اى انجراره وهو اسم جنس يصح إطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها والمراد هاهنا قطع السحاب بقرينة اضافة بين الى ضميره فانه لا يضاف الا الى متعدد. والمعنى قد رأيت رؤية بصرية ان الله يسوق غيما الى حيث يريد ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ اى بين اجزائه بضم بعضها الى بعض فيجعله شيأ واحدا ابعد ان كان قطعا ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً اى متراكما بعضه فوق بعض فانه إذا اجتمع شىء فوق شىء فهو ركوم مجتمع قال فى المفردات يقال سحاب مركوم اى متراكم والركام ما يلقى بعضه على بعض فَتَرَى الْوَدْقَ اى المطر اثر تكاثفه وتراكمه قال ابو الليث الودق المطر كله شديده وهينه وفى المفردات الودق قيل ما يكون خلال المطر كأنه غبار وقد يعبر به عن المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ حال من الودق لان الرؤية بصرية والخلال جمع خلل كجبال وجبل وهو فرجة بين الشيئين والمراد هاهنا مخارج القطر. والمعنى حال كون ذلك الودق يخرج من أثناء ذلك السحاب وفتوقه التي حدثت بالتراكم وانعصار بعضه من بعض قال كعب السحاب غربال المطر ولولاه لافسد المطر ما يقع عليه وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ اى من الغمام فان كل ما علاك سماء وسماء كل شىء أعلاه مِنْ جِبالٍ اى من قطع عظام تشبه الجبال فى العظم كائنة فِيها اى فى السماء فان السماء من المؤنثات السماعية مِنْ بَرَدٍ مفعول ينزل على ان من تبعيضية والاوليان لابتداء الغاية على ان الثانية بدل اشتمال من الاولى باعادة الجار والبرد محركه الماء المنعقد اى ما يبرد من المطر فى الهواء فيصلب كما فى المفردات. والمعنى ينزل الله مبتدئا من السماء من جبال فيها بعض برد قال بعضهم ان الله تعالى خلق جبالا كثيرة فى السماء من البرد والثلج ووكل بها ملكا