للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذوا اللبنات ثم بعثوا من جملتهم واحدا ليأتى لهم بطعام فلما غاب عنهما تشاورا في قتله وقالا إذا رجع قتلناه وأخذنا نصيبه فذهب واشترى سما فطرحه في الطعام الذي اشتراه حتى يأكل ذلك الطعام صاحباه فيموتا ويأخذ اللبنات فلما قدم عليهما قاما وقتلاه ثم أكلا الطعام فماتا فعبر عليهم عيسى فوجد اليهودي وهؤلاء الثلاثة مقتولين فتعجب من ذلك فنزل جبريل وأخبره بالقصة فينبغى للعاقل ان لا يغتر بكثرة الدنيا وان لا يهتم في جمعها بل يزرع فيها بذر العمل كى يحصد في الآخرة لان الدنيا مزرعة الآخرة ولا ينبغى للاغنياء ان يحقروا الفقراء بالغرور بكثرة دنياهم ولا يسخروا منهم لان هذه الصفة من صفات الكفرة: قال السعدي

چومنعم كند سفله را روزكار ... نهد بر دل تنك درويش بار

چوبام بلندش بود خود پرست ... كند بول وخاشاك بر بام پست

والاشارة في الآية ان الله إذا فتح باب الملكوت على قلب عبد من خواصه يريه آياته في الملك والملكوت فان تغير بأحواله او تعجب بكماله فيقبل على شىء من مرادات النفس ويبدل نعمته بموافقة النفس ورضاها فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ بان يغير عليه أحواله ويسلب عنه كماله ويشهده قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ومن شدة عقابه انه إذا أذنب عبد ذنبا صغيرا ولم يتب منه وأصر عليه ان يعاقبه بالابتداء بكبيرة مثل تبدل النعمة ليعاقبه بزوال النعمة فى الدنيا ودوام النقمة في العقبى. وايضا من شدة عقابه ان زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ويمكر بهم حتى يغلب عليهم حب الدنيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا من فقرائهم وكبرائهم حملهم شدة العقوبة على الوقيعة في أوليائه واستحقار أحبابه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ من درجات أعلى عليين ودركات أسفل سافلين بِغَيْرِ حِسابٍ بغير نهاية الى أبد الآباد فان ما لا نهاية له لا مدخل له تحت الحساب وفيه معنى آخر بغير حساب يعنى ما يرزق العبد في الدنيا من الدنيا فلحرامها عذاب ولحلالها حساب وما يرزق العبد في الآخرة من النعيم المقيم فبغير حساب كذا في التأويلات النجمية كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً اى جماعة واحدة متفقين في الايمان واتباع الحق من وقت آدم الى مبعث نوح عليهما السلام وكان بينهما عشرة قرون كل قرن ثمانون سنة كما عند الأكثر فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ اى فاختلفوا فبعث إلخ بدلالة قوله تعالى لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مُبَشِّرِينَ بالثواب لمن آمن وأطاع وَمُنْذِرِينَ محذرين بالعقاب لمن كفر وعصى وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ أي كتاب او مع كل واحد منهم ممن له كتاب كتابه الخاص لا مع كل واحد منهم على الإطلاق إذ لم يكن لبعضهم كتاب وانما كانوا يأخذون بكتب من قبلهم وعموم النبيين لا ينافى خصوص الضمير العائد اليه بمعونة المقام بِالْحَقِّ اى حال كون ذلك الكتاب ملتبسا بالحق والعدل والصدق شاهدا به لِيَحْكُمَ اى الله تعالى بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اى في الحق الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ اى في الحق إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ اى الكتاب المنزل لازالة الاختلاف والتعبير عن الانزال بالايتاء للتنبيه من أول الأمر على كمال تمكنهم من الوقوف على ما في تضاعيفه من الحق فان الانزال لا يفيد تلك الفائدة اى عكسوا الأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>