موسى بقوله أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فان فيه رفع الاثنينية واثبات الوحدة التي لا يسع العبد فيها ملك مقرب ولا نبى مرسل ومنها ان المريد إذا استسعد بخدمة شيخ واصل ينبغى ان يخرج عما معه من الحسب والنسب والجاه والمنصب والفضائل والعلوم ويرى نفسه كأنه أعجمي لا يعرف الهر من البر اى ما يهره مما يبره او القط من الفار او العقوق من اللطف او الكراهية من الا كرام كما فى القاموس: قال الحافظ
خاطرت كى رقم فيض پذيرد هيهات ... مكر از نقش پراكنده ورق ساده كنى
وينقاد لاوامره ونواهيه كما كان فان كليم الله لم يمنعه النبوة والرسالة ومجيئ جبريل وإنزال التوراة ومكالمة الله واقتداء بنى إسرائيل به ان يتبع الخضر ويتواضع له وترك أهاليه واتباعه وأشياعه وكل ما كان له من المناصب والمناقب وتمسك بذيل إرادته منقاد لاوامره ونواهيه قالَ الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد كأنه مما لا يصح ولا يستقيم والمراد نفى الصبر على ما يدل عليه قوله وكيف تصبر ويلزم من نفيها نفيه وفيه دليل على ان الاستطاعة مع الفعل [موسى كفت چرا صبر نتوانم كرد كفت بجهت آنكه تو پيغمبرى وحكم تو بر ظاهر است شايد كه از من عملى صادر شود در ظاهر آن منكر وناشايسته نمايد وجه حكمت آنرا ندانى وبر آن صبر كردن نتوانى] وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً تمييز من خبر يخبر كنصر وعلم بمعنى عرف اى لم يحط به خبرك اى علمك وهو إيذان بانه يتولى أمورا خفية منكرة الظواهر والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة لا يصبر إذا رأى ذلك ويأخذ فى الإنكار قال الامام المتعلم قسمان منه من مارس العلوم ومنه من لم يمارسها والاول إذا وصل الى من هو أكمل منه عسر عليه التعلم جدا لانه إذا رأى شيأ أو سمع كلاما فربما أنكره وكان صوابا فهو لالفته بالقيل والقال يغتر بظاهره ولا يقف على سره وحقيقته فيقدم على النزاع ويثقل ذلك على الأستاذ وإذا تكرر منه الجدل حصلت النفرة واليه أشار الخضر بقوله إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لانك الفت الكلام والإثبات والابطال والاعتراض والاستدلال وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً اى لست تعلم حقائق الأشياء كما هى قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى كتاب اللائحات البرقيات كل واحد من العلمين اى الظاهر والباطن موجود فى وجود كل من موسى والخضر عليهما السلام الا ان الغالب فى نشأة موسى هو العلم الظاهري كما يدل عليه رسالته وقوله للخضر هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً لان المتعلم من المخلوق انما هو العلم الظاهري المتعلم بالحرف والصوت لا العلم الباطني المتعلم من الله بلا حرف وصوت بل بذوق وكشف الهى وإلقاء والهام سبحانى لان جميع علوم الباطن انما تحصل بالذوق والوجدان والشهود والعيان لا بالدليل والبرهان وهى ذوقيات لا نظريات فانها ليست بطريق التأمل السابق ولا بسبيل التعمل اللاحق بترتيب المبادي والمقدمات وعلى اعتبار حصولها بطريق الانتقال بالواسطة لا بطريق الذوق بغير الواسطة والغالب فى نشأة الخضر هو العلم الباطني كما يدل عليه ولايته ولو قيل بنبوته وقوله لموسى عليه السلام إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً