المحيط بالمحيطات المقول فيه ما فرطنا فى الكتاب من شىء وهو كتاب ينطوى على العلوم الجمة المنطوى عليها ايضا مداد النون وتشتمل على مائة واربع عشرة سورة كما اشتمل النون على عدد يطابقها فان النونين والواو والالف الذي انتهى اليه اسم النون مائة وثلاثة عشر وكون مسماه حرفا واحدا متمم لاربعة عشر فاعلم ذلك فانه دقيق قل أن تجده فى كلام أحد انتهى وقال القاشاني ن هو النفس الكلية والقلم هو العقل الكلى والاول من باب الكناية بالاكتفاء من الكلمة باول حروفها والثاني من باب التشبيه إذ تنتقش فى النفس صور المو- جودات بتأثير العقلي كما تنتقش الصور فى اللوح بالقلم وما يسطرون من صور الأشياء وماهياتها وأحوالها المقدرة على ما تقع عليه وفاعل ما يسطرون الكتبة من العقول المتوسطة والأرواح المقدسة وان كان الكاتب فى الحقيقة هو الله تعالى لكن لما كان فى حضرة الأسماء نسب إليها مجازا اقسم بهما وبما يصدر عنهما من مبادى الوجود وصور التقدير الإلهي ومبدأ امره ومخزن غيره لشرفهما وكونهما مشتملين على كل الوجود فى أول مرتبة التأثير والتأثر ولمناسبتهما للمقسم عليه وهو قوله ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ جواب القسم والباء متعلقة بمضمر هو حال من الضمير فى خبر ما وهو مجنون والعامل فيها معنى النفي والجنون حائل بين النفس والعقل وجن فلان اى أصابه الجن او أصاب جنانه او حيل بين نفسه وعقله فجن عقله ذلك كأنه قيل انتفى عنك الجنون يا محمد وأنت بريئ منه ملتبسا بنعمة الله التي هى النبوة والرياسة العامة والمراد تنزيهه عليه السلام عما كانوا ينسبونه عليه السلام اليه من الجنون حسدا وعداوة ومكابرة مع جزمهم بأنه عليه السلام فى غاية الغايات من حصافة العقل ورزانة الرأى قال ابو حيان قوله بنعمة ربك قسم اعترض به بين المحكوم عليه والحكم على سبيل التأكيد والتشديد والمبالغة فى انتفاء الوصف الذميم عنه عليه السلام وذهب الى القسم ايضا حضرة الشيخ نجم الدين فى تأويلاته روى انه عليه السلام غاب عن خديجة رضى الله عنها الى حرآء فلم تجده فاذا هو قد طلع ووجهه متغير بلا غبار فقالت له مالك فذكر نزول جبرائيل عليه السلام وانه قال له اقرأ باسم ربك فهو أول ما نزل من القرآن قال ثم نزل بي الى قرار الأرض فتوضأ وتوضات ثم صلى وصليت معه ركعتين وقال هكذا الصلاة يا محمد فذكر عليه السلام ذلك الخديجة فذهبت خديجة الى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان قد حالف دين قريش ودخل فى النصرانية فسألته فقال ارسلينى الى محمد فأرسلته فأباه فقال هل أمرك جبرائيل ان تدعو أحد فقال لا فقال والله لئن بقيت الى دعوتك لانصرتك نصرا عزيزا ثم مات قبل دعاء الرسول عليه السلام ووقعت تلك الواقعة فى ألسنة كفار قريش فقالوا انه مجنون فأقسم الله تعالى على انه ليس بمجنون وهو خمس آيات من أول هذه السورة قال ابن عباس رضى الله عنهما أول ما نزل قوله سبح اسم ربك وهذه الآية هى الثانية وفى التأويلات النجمية ما أنت بنعمة ربك بمستور عما كان من الأزل وما سيكون الى الأبد لان الجن هو الستر وما سمى الجن جنا الا لاستتاره من الانس بل أنت عالم بما كان خبير بما سيكون ويدل على احاطة علمه قوله عليه السلام فوضع كفه على كتفى فوجدت