معه انتهى. ومن قوة عبادة داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد الصوم وكان ينام النصف الاول من الليل ويقوم النصف الأخير منه مع سياسة الملك وفى بعض التفاسير كان ينام النصف الاول من الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وهو الموافق لما فى المشارق من قوله عليه السلام (أحب الصيام الى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة الى الله) اى فى النوافل (صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) وانما صار هذا النوع أحب لان النفس إذا نامت الثلثين من الليل تكون أخف وانشط فى العبادة إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ بيان لفضله مع داود اى ذللناها ومع متعلق بالتسخير وايثارها على اللام لكون تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف فيها اليه كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام لكون سيرها معه بطريق التبعية له فتكون مع على حالها ويجوز ان تكون مع متعلقة بما بعدها وهو قوله يُسَبِّحْنَ اى حال كونها تقدس الله تعالى مع داود لم يقل مسبحات للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال قال فى كشف الاسرار كان داود يسمع ويفهم تسبيح الجبال على وجه تخصيصه به كرامة له ومعجزة انتهى واختلفوا فى كيفية التسبيح فقيل بصوت يتمثل له وهو بعيد وقيل بلسان الحال وهو ابعد وقيل بخلق الله فى جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ونطقا فحينئذ يسبح الله كما يسبح الاحياء العقلاء وهذا لسان اهل الظاهر واما عند اهل الحقيقة فسر الحياة سار فى جميع الموجودات حيوانا او نباتا او جمادا فالحياة فى الكل حقيقة لا عارضية او حالية او تمثيلية لكن انما يدركها كمل المكاشفين فتسبيح الجبال مع داود على حقيقته لكن لما كان على كيفية مخصوصة وسماعه على وجه غريب خارج عن العقول كان من معجزات داود عليه السلام وكراماته وقد سبق مرارا تحقيق هذا المقام بما لا مزيد عليه من الكلام بِالْعَشِيِّ فى آخر النهار وَالْإِشْراقِ فى أول النهار ووقت الاشراق هو حين تشرق الشمس اى تضيئ ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى واما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق وعن ابن عباس رضى الله عنهما كنت امر بهذه الآية لا أدرى ما هى حتى حدثتنى أم هانى بنت ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم فتح مكة فدعا بوضوء فتوضأ وفى البخاري واغتسل فى بيتها ثم صلا الضحى ثمانى ركعات وقال (يا أم هانى هذه صلاة الاشراق) ومن هنا قال بعضهم من دخل مكة وأراد ان يصلى الضحى أول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه السلام يوم فتح مكة وقال بعضهم صلاة الضحى غير صلاة الاشراق كما دل عليه قوله عليه السلام (من صلى الفجر بجماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كاجر حجة وعمرة تامة تامة) وهى صلاة الاشراق كما فى شرح المصابيح وقوله عليه السلام (صلاة الأوابين حين تدمض الفصال من الضحى) والمعنى أن صلاة الضحى تصلى إذا وجد الفصيل حر الشمس من الرمضاء اى من الأرض التي اشتد حرها من شدة وقع الشمس عليها فان الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره والفصيل الذي يفصل ويفطم عن الرضاع من الإبل وخص الفصال هنا بالذكر لانها التي ترمض لرقة جلد رجلها وفيه اشارة الى مدحهم بصلاة الضحى فى الوقت الموصوف