بكمال الالتصاق بينهما من حيث ان الواو شأنها الجمع والربط ما تَسْبِقُ ما نافية مِنْ زائدة أُمَّةٍ من الأمم الهالكة وغيرهم أَجَلَها المكتوب فى كتابها اى لا يجيئ هلاكها قبل مجيئ كتابها وَما يَسْتَأْخِرُونَ اى وما يتأخرون عنه وانما حذف لانه معلوم ولرعاية الفواصل وصيغه الاستفعال للاشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له واما تأنيث ضمير امة فى أجلها وتذكيره فى يستأخرون فللحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى اخرى وفى التأويلات النجمية ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها حتى يظهر منها ما هو سبب هلاكها وتستوفى نفسها من الحظوظ ما يبطل الحقوق وَما يَسْتَأْخِرُونَ لحظة بعد استيفاء اسباب الهلاك والعذاب: قال السعدي
كه يك لحظه صورت نه بندد أمان ... چو پيمانه پر شد بدور زمان
فعلى العاقل ان يجتهد فى تزكية النفس الامارة وازالة صفاتها المتمردة ومن المعلوم ان الدنيا كالقرية الصغيرة والآخرة كالبلدة الكبيرة ولم يسلم من الآفات الا من توجه الى السواد الأعظم فانه ما من لكل نفس فلو مات عند الطريق فقد وقع اجره على الله ولو تأخر واجتهد فى عمارة قرية الجسد واشتغل بالدنيا وأسبابها هلك مع الهالكين وإذا كان لكل نفس أجل لا تموت الا عند حلوله وهو مجهول فلا بد من التهيؤ فى كل زمان وذكر الموت كل حين وآن وقصر الأمل وإصلاح العمل ودفع الكسل وعن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه انه اشترى اسامة ابن زيد من زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار الى شهر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ألا تعجبون من اسامة المشترى الى شهر ان اسامة لطويل الأمل والذي نفسى بيده ما طرفت عيناى إلا ظننت ان شفرى لا يلتقيان حتى يقبض الله روحى ولا رفعت طرفى فظننت انى واضعه حتى اقبض ولا لقمت لقمة الا ظننت انى لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بنى آدم ان كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسى بيده انما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) اى لا تقتدرون على اعجاز الله عن إتيان ما توعدون به من الموت والحشر والحساب وغيرها من احوال القيامة وأهوالها وَقالُوا اى مشركوا مكة وكفار العرب لغاية تماديهم فى العتو والغى وفى بعض التفاسير نزلت فى عبد الله بن امية يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ نادوا به النبي عليه السلام على وجه التهكم ولذا جننوه بقولهم إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ إذ لا يجتمع اعتقاد نزول الذكر عليه ونسبة الجنون اليه. والمعنى انك لتقول قول المجانين حين تدعى ان الله نزل عليك الذكر اى القرآن وقال الكاشفى [بدرستى تو ديوانه كه ما را از نقد بنسيه مى خوانى] وجواب هذه الآية قوله تعالى فى سورة القلم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ اى ما أنت بمجنون حال كونك منعما عليك بالنبوة وكمال العقل يقول الفقير الجنون من أوصاف النقصان يجب تبرئة ساحة الأنبياء وكمل الأولياء منه وعد نسبته إليهم من الجنون إذ لا سفه أشد من نسبة النقصان وسخافة العقل والإذعان الى المراجيح الرزان ولا عقل من العقول الا وهو مستفيض من العقل الاول الذي هو الروح المحمدي والعاقل بالعقل المعادى مجنون عند العاقل بالعقل المعاشى وبالعكس ولا يكون مجنونا بالجنون المقبول الا بعد دخول دائرة العشق قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر