وان كانت هى التي يبتدأ بها الكلام لكنها غاية لما قبلها من الفعل اى ينالهم نصيبهم من الكتاب الى ان تأتيهم ملائكة الموت فاذا جاءتهم قالُوا توبيخا لهم أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى اين الآلهة التي كنتم تعبدونها فى الدنيا. وما وصلت باين فى خط المصحف وحقها الفصل لانها موصولة قالُوا اى الكفار ضَلُّوا عَنَّا اى غابوا عنا اى لا ندرى مكانهم وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ عطف على قالوا اى اعترفوا على أنفسهم أَنَّهُمْ كانُوا اى فى الدنيا كافِرِينَ اى عابدين لمن لا يستحق العبادة أصلا حيث شاهدوا مآله وضلاله ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة او فى اوقات مختلفة وفى الإرشاد ولعله قصد بيان غاية سرعة وقوع البعث والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداء التوفى كما ينبىء عنه قوله عليه السلام (من مات فقد قامت قيامته) والا فهذا السؤال والجواب وما يترتب عليهما من الأمر بدخول النار وما جرى بين أهلها من التلاعن والتقاول انما يكون بعد البعث لا محالة قالَ الله تعالى لهم يوم القيامة او أحد من الملائكة ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ اى كائنين فى جملة امم مصاحبين لهم قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى كفار الأمم الماضية من النوعين فِي النَّارِ متعلق بقوله ادخلوا وانما قدم الجن على الانس لتقدمهم عليهم فى الخلقة وذلك ان الله تعالى لما خلق الجن فمنهم مؤمن ومنهم كافر فلما استولى اهل الكفر منهم على اهل الايمان حتى استأصلوهم بعث الله إليهم جندا من الملائكة كان رئيسهم إبليس فسلطهم الله عليهم حتى اهلكوا جميعهم ثم خلق الله آدم بعدهم فخلق منه ذريته فمنهم كافر كقابيل ومنهم مؤمن كهابيل إذ كان فى كل زمان منهم امة كافرة مستحقة لدخول النار وامة مؤمنة مستحقة لدخول الجنة حتى الآن الى انقراض العالم كما قال عليه السلام (لا تقوم الساعة وفى الأرض من يقول الله الله) كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ من الأمم السابقة واللاحقة اى فى النار لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها فلعنت المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس وعلى هذا القياس ويلعن الاتباع القادة يقولون لعنكم الله أنتم غررتمونا فالمراد الاخت فى الدين والملة ولم يقل أخاها لانه أراد الامة والجماعة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً غاية لما قبلها. والمعنى انهم يدخلونها فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا الى انتهاء تداركهم وتلاحقهم فى النار واجتماعهم فيها واصل اداركوا تداركوا أدغمت التاء فى الدال فاجتلبت همزة الوصل قالَتْ أُخْراهُمْ اى دخولا وهم الاتباع واخرى هاهنا بمعنى آخرة مؤنث آخر مقابل أول لا مؤنث آخر بمعنى غير كقوله تعالى وِزْرَ أُخْرى لِأُولاهُمْ اى لاجل أولاهم إذا الخطاب مع الله تعالى رَبَّنا- هؤُلاءِ أَضَلُّونا اى سنوا لنا الضلال عن الهدى بإلقاء الشبهة علينا فاقتدينا بهم فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً
اى مضاعفا مِنَ النَّارِ لانهم ضلوا وأضلوا قالَ الله لِكُلٍّ من الأولين والآخرين ضِعْفٌ اما القادة فبكفرهم وتضليلهم واما الاتباع فبكفرهم وتقليدهم فليس المراد تضعيف ما يستحق كل واحد من العذاب لانه ظلم بل تضعيفه عذاب الضلال بان يضم اليه عذاب الإضلال والتقليد وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما لكم