التوبة إذا أذنب ثم شرع فى بيان بعض الهداية التكوينية التي اخبر بها القرآن الهادي فقال وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ قدم الليل لان فيه تظهر غرر الشهور اى جعلنا هما بسبب تعاقبهما واختلافهما فى الطول والقصر آيَتَيْنِ دالتين على وجود الصانع القدير ووحدته إذ لا بد لكل متغير من متغير وانما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين وقال فى موضع آخر وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً لان الليل والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم وقيل لان عيسى ومريم كانا فى وقت واحد والشمس والقمر آيتان لانهما فى وقتين ولا سبيل الى رؤيتهما معا فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ الفاء تفسيرية والاضافة بيانية كما فى اضافة العدد الى المعدود اى فمحونا الآية التي هى الليل. والمحو فى الأصل ازالة الشيء الثابت والمراد هنا إبداعها ممحوة الضوء مطموسة كما فى قولهم سبحانه من صغر البعوض وكبر الفيل اى انشأهما كذلك بقرينة ان محو الليل فى مقابلة جعل النهار مضيئا وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ اى الآية التي هى النهار مُبْصِرَةً مضيئة تبصر فيها الأشياء وصفها بحال أهلها ويجوز ان تكون الاضافة فى المحلين حقيقية فالمراد بآية الليل والنهار والقمر والشمس- روى- ان الله تعالى خلق كلا من نور القمر والشمس سبعين جزأ ثم امر جبرئيل فمسح بجناحه ثلاث مرات فمحا من القمر تسعة وستين جزأ فحولها الى الشمس ليتميز الليل من النهار إذ كان فى الزمن الاول لا يعرف الليل والنهار فالسواد الذي فى القمر اثر المحو وهذا السواد فى القمر بمنزلة الحال على الوجه الجميل ولما كان زمان الدولة العربية الاحمدية قمريا ظهر عليه اثر السيادة على النجوم وهو السواد لانه سيد الألوان كما ظهر على الحجر المكرم الذي خرج ابيض من الجنة اثر السيادة بمبايعة الأنبياء والأولياء عليهم السلام وجعل الله شهورنا قمرية لا شمسية تنبيها من الله للعارفين ان آياتهم ممحوّة من ظواهرهم مصروفة الى بواطنهم فاختصوا من بين جميع الأمم الماضية بالتجليات الخاصة وقيل فيهم كتب فى قلوبهم الايمان مقابلة قوله فانسلخ منها قال تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ اى فى علو المرتبة والشرف قال حضرت شيخ وسندى قدس سره فى كتاب البرقيات بعد تفصيل بديع ثم لآية الليل مرتبة الفرعية والتبعية ولآية النهار مرتبة الاصلية والاستقلالية لان نور القمر مستفاد من نور الشمس ثم سر محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة هو نفى الاستواء واثبات الامتياز حتى يتعين حد المستفيد وطوره بان يكون انزل بحسب الضعف والنقصان وحد المفيد وطوره بان يكون ارفع بحسب القوة والكمال ويرتبط كل منهما بالآخر من غير تعد وتجاوز عن حده وطوره بل عرف كل قدره ولزوم مقامه حتى يطرد النظام والانتظام ويستمر القيام والدوام من غير خلل واختلال ثم هذا السر اشارة الى سرأن لمظاهر الجلال مرتبة التبعية والفرعية ولمظاهر الجمال مرتبة الاستقلالية والاصلية لان الامداد الواصل الى مظاهر الجلال لقيامهم ودوامهم وبقائهم مستقاد من مظاهر الجمال ولذا قيل لولا الصلحاء لهلك الطلحاء وحكمة محو أفكار مظاهر الجلال عن الاصابة الى الاخطاء وجعل أفكار مظاهر الجمال مبصرة مصيبة هو نفى المساواة واثبات المباينة بينهما حتى يتحقق رتبة الأصل