الكل تَنْزِيلًا اى نزل القرآن تنزيلا مِمَّنْ متعلقة بتنزيلا خَلَقَ اخرج من العدم الى الوجود الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى تخصيص خلقهما لانهما قوام العالم وأصوله وتقديم الأرض لكونها اقرب الى الحس واظهر عنده من السموات ووصف السموات بالعلى وهو جمع العليا تأنيث الا على للدلالة على عظم قدرة خالقها بعلوها وعطف السموات على الأرض من عطف الجنس على الجنس لان التعريف مصروف الى الجنس لا من عطف الجمع على المفرد حتى يلزم ترك الاولى من رعاية التطابق بين المعطوف والمعطوف عليه الرَّحْمنُ رفع على المدح اى هو الرحمن او مبتدأ واللام فيه للعهد مشارا به الى من خلق خبره ما بعده عَلَى الْعَرْشِ الذي يحمله الملائكة متعلق بقوله اسْتَوى اعلم ان العرش سرير الملك والاستواء الاستقرار والمراد به هاهنا الاستيلاء ومعنى الاستيلاء عليه كناية عن الملك لانه من توابع الملك فذكر اللازم وأريد الملزوم يقال استوى فلان على سرير الملك على قصد الاخبار عنه بانه ملك وان لم يقعد على السرير المعهود أصلا فالمراد بيان تعلق إرادته الشريفة بايجاد الكائنات وتدبير أمرها إذ الباري مقدس الانتقال والحلول وانما خلق العرش العظيم ليعلم المتعبدون الى اين يتوجهون بقلوبهم بالعبادة والدعاء فى السماء كما خلق الكعبة ليعلموا الى اين يتوجهون بأبدانهم فى العبادة فى الأرض [وشيخ اكبر قدس سره در فتوحات فرموده كه استواء خداوند بر عرش در قرآنست ومراد بدين ايمانست تأويل نجوييم كه تأويل درين باب طغيانست بظاهر قبول كنيم وبباطن تسليم كه اين اعتقاد سفيانست اما ميدانم كه نه محتاج مكانست ونه عرش بر دارنده اوست كه اوست بر دارنده مكان ونكه دارنده عرش]
نى مكان ره يافت سويش نه زمان ... نى بيان دارد خبر زو نه عيان
اين همه مخلوق حكم داورست ... خالق عالم ز عالم برترست
قال بعضهم ليس على الكون من اثر ولا على الأثر من كون قال بعضهم انا نقطع بان الله منزه عن المكان والا لزم قدم المكان وقد دل الدليل على ان لا قديم سوى الله تعالى وانه تعالى لم يرد من الاستواء الاستقرار والجلوس بل مراده به شىء آخر الا انا لا نشتغل بتعيين ذلك المراد خوفا من الخطأ ونفوض تأويل المتشابهات الى الله تعالى كما هو رأى من يقف على إِلَّا اللَّهَ وعليه اكثر السلف كما روى عن مالك واحمد الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والبحث عنها بدعة وما كان مقصود الإمامين الأجلين بذلك الا المنع من الجدال وقد أحسنا حيث حسما بذلك باب الجدال وكذلك فعل الجمهور لان فى فتح باب الجدال ضررا عظيما على اكثر عباد الله وقد روى ان رجلا سأل عمر رضى الله عنه عن آيتين متشابهتين فعلاه بالدرة وقال بعض كبار المحققين من اهل الله تعالى المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون من المجسمة وغيرهم بل باعتبار امره الايجادى وتجليه الحسى الاحدى وانما كان العرش محل هذا الاستواء لان التجليات الذاتية التي هى شروط التجليات المتعينة والاحكام الظاهرة والأمور البارزة والشئون المتحققة