للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتوجه اليه من غير التفات الى يمين وشمال- روى- ان ذا النون المصري قدس سره أراد التوضي من نهر فرأى جارية حسناه فقالت لذى النون ظننتك اولا عاقلا ثم عالما ثم عارفا ولم تكن كذلك اى لا عاقلا ولا عالما ولا عارفا قال ذو النون ولم قالت فان العاقل لا يكون بغير وضوء لعلمه بفضائله والعالم لا ينظر الى الحرام فان العالم لا بد وان يكون عاملا والعارف لا يميل الى غير الله فان مقتضى العرفان ان لا يختار على المحبوب الحقيقي سواه لكون حسنه من ذاته وحسن ما سواه مستفادا منه والغير وان كان مظهرا لتجليه ولكن النظر اليه قيد والحضور فى عالم الإطلاق هو التفريد الذي هو تقطيع الموحد عن الأنفس والآفاق

خداست در دو جهان هست جاودان جامى ... وما سواه خيال مزخرف باطل

نسأل الله سبحانه هذا التوحيد الحقيقي- روى- عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وعبد الله ابن مسعود رضى الله عنه ان حبرا من اليهود اتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا محمد أشعرت ان الله يضع يوم القيامة السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والماء والثرى والشجر على إصبع وجميع الخلائق على إصبع ثم يهزهنّ ويقول انا الملك اين الملوك فضحك رسول الله عليه السلام تعجبا منه وتصديقا له فانزل الله هذه الآية وهى قوله تعالى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ القدر بمعنى التعظيم كما فى القاموس فالمعنى ما عظموا الله حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكا بما لا يليق بشأنه العظيم ويقال قدر الشيء قدره من التقدير كما فى المختار. فالمعنى ما قدروا عظمته تعالى فى أنفسهم حق عظمته وقال الراغب فى المفردات ما عرفوا كنهه يقول الفقير هذا ليس فى محله فان الله تعالى وان كان لا يعرف حق المعرفة بحسب كنهه ولكن تتعلق به تلك المعرفة بحسبنا فالمعنى هاهنا ما عرفوا الله حق معرفته بحسبهم لا بحسب الله إذ لو عرفوه بحسبهم ما أضافوا اليه الشريك ونحوه فافهم وفى التأويلات النجمية ما عرفوا الله حق معرفته وما وصفوه حق وصفه وما عظموه حق تعظيمه فمن اتصف بتمثيل او جنح الى تعطيل حاد عن ألسنة المثلى وانحرف عن الطريقة الحسنى وصفوا الحق بالأعضاء وتوهموا فى نعته الاجزاء فما قدروا الله حق قدره انتهى وَالْأَرْضُ جَمِيعاً حال لفظا وتأكيد معنى ولذا قال اهل التفسير تأكيد الأرض بالجميع لان المراد بها الأرضون السبع او جميع أبعاضها البادية والغائرة اى الظاهرة وغير الظاهرة من باطنها وظاهرها ووسطها قوله والأرض مبتدأ خبره قوله قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ القبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهى المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر او بتقدير ذات قبضته وفى المفردات القبض التناول بجمع الكف نحو قبض السيف وغيره ويستعار القبض لتحصيل الشيء وان لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان اى حزتها قال الله تعالى (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) اى فى حوزه حيث لا تمليك للعبد انتهى تقول للرجل هذا فى يدك وفى قبضتك اى فى ملكك وان لم يقبض عليه بيده. والمعنى والأرض جميعا مقبوضه يوم القيامة اى فى ملكه وتصرفه من غير منازع يتصرف فيها تصرف الملاك فى ملكهم وانها اى جميع الأرضين وان عظمن فما هن بالنسبة الى قدرته تعالى الا قبضة واحدة ففيه تنبيه على غاية عظمته وكمال

<<  <  ج: ص:  >  >>