اولا ثم بين المصلحة فيه فقال كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف وهو عبارة عن القرآن اى هذا كتاب أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ صفته مُبارَكٌ خبر ثان للمبتدأ اى كثير المنفعة دنيا ودينا لمن آمن به وعمل باحكامه وحقائقه وإشاراته فان البركة ثبوت الخير الإلهي فى الشيء والمبارك ما فيه ذلك الخير لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ متعلق بانزلنا وأصله يتدبروا فادغمت التاء فى الدال اى أنزلناه ليتفكروا فى آياته بالفكر السليم فيعرفوا ما يتبع ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة اى ليتفكروا فى معانيها فان التدبر عبارة عن النظر فى عواقب الأمور والتفكر تصرف القلب فى معانى الأشياء لدرك المطلوب وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ اى وليتعظ به اصحاب العقول الخالصة عن شوب الوهم عمم التدبر لعموم العلماء وخص التذكر بخصوص العقلاء لان التدبر للفهم والتذكر لوقوع الإجلال والخشية الخاص باكابر اهل العلم قال بعضهم التفكر عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بالصفات النفسانية واما التذكر فهو عند رفع الحجاب والرجوع الى الفطرة الاولى فيتذكر ما انطبع فى النفس فى الأزل من التوحيد والمعارف انتهى فعلم ان المقصود من كلام الحق التفكر والتذكر والاتعاظ به لا حفظ الألفاظ فقط قال الشبلي قدس سره قرأت اربعة آلاف حديث ثم اخترت منها حديثا واحدا وكان علم الأولين والآخرين مندرجا فيه وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه (اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها واعمل لله بقدر حاجتك اليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها) وكان الصحابة يكتفون ببعض السور القرآنية ويشتغلون بالعمل بها فان المقصود من القرآن العمل به- روى- ان رجلا جاء الى النبي عليه السلام وقال علمنى مما علمك الله فدفعه الى رجل يعلمه القرآن فعلمه إذا زلزلت الأرض حتى إذا بلغ فمن يعمل إلخ قال حسبى فاخبر النبي عليه السلام بذلك فقال (دعوه فقد فقه الرجل) وقال ابراهيم بن أدهم رحمه الله مررت بحجر مكتوب عليه قلبنى ينفعك فقلبته فاذا مكتوب عليه أنت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب ما لم تعلم وعن البصري رحمه الله قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده حتى ان أحدهم ليقول والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا والله وقد أسقط كله ما يرى عليه للقرآن اثر فى خلق ولا عمل والله ما هو بحفظ حروفه واضاعة حدوده والله ما هؤلاء بالحكماء ولا الوزعة لا اكثر الله فى الناس مثل هؤلاء فمن اقتفى بظاهر المتلوّ كان مثله كمثل من له لقحة درور لا يحلبها ومهرة نتوج لا يستولدها قال انس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعوذوا بالله من فخر القراء فانهم أشد فخرا من الجبابرة) ولا أحد ابغض الى رسول الله من قارئ متكبر وعن على رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (تعوذوا بالله من دار الحزن فانها إذا فتحت استجارت منها جهنم سبعين مرة أعدها الله للقراء المرائين بأعمالهم وان شر القراء لمن يزور الأمراء) : وفى سلسلة الذهب للمولى الجامى قدس سره رب تال يفوه بالقران وهو يفضى به الى الخذلان