ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ما نافية والمصيبة أصلها في الرمية يقال أصاب السهم إذا وصل الى المرمى بالصواب ثم اختص بالنائبة اى ما حدث من حادثة كائنة في الأرض كجدب وعاهة في الزروع والثمار ولا في أنفسكم كمرض وآفة وموت ولد وخوف عدو وجوع إِلَّا فِي كِتابٍ اى الا مكتوبة مثبتة في علم الله او في اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها نخلق الأنفس او المصائب او الأرض فان البرء في اللغة هو الخلق والبارئ الخالق وذكر ربيع بن صالح الأسلمي قال دخلت على سعيد بن جبير حين جيئ به الى الحجاج حين أراد قتله فبكى رجل من قومه فقال سعيد ما يبكيك قال ما أصابك قال فلا تبك قد كان فى علم الله أن يكون هذا ألم تسمع قول الله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا فى أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها قال في الروضة رؤى الحجاج في المنام بعد وفاته فقيل ما فعل الله بك فقال قتلنى بكل قتيل قتلة وبسعيد بن جبير سبعين قتلة وفي الآية دليل على ان جميع الحوادث الارضية قبل دخولها في الوجود وكذا جميع اعمال الخلق بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ ليستدل الملائكة بذلك المكتوب على كونه تعالى عالما بجميع الأشياء قبل وجودها وليعرفوا حلمه فانه تعالى مع علمه انهم يقومون على المعاصي خلقهم ورزقهم وأملهم وليحذروا من أمثال تلك المعاصي وليشكروا الله على توفيقه إياهم للطاعات وعصمته إياهم من المعاصي وفيها دليل ايضا انه تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها لان إثباتها فى الكتاب محال ولو سأل سائل ان الله تعالى هل يعلم عدد أنفاس اهل الجنة يقال له ان الله يعلم انه لا عدد لأنفاسهم إِنَّ ذلِكَ اى إثباتها في كتاب مع كثرتها عَلَى اللَّهِ متعلق بقوله يَسِيرٌ لاستغنائه فيه عن العدة والمدة وان كان عسيرا على العباد قال الجنيد قدس سره من عرف الله بالربوبية وافتقر اليه في اقامة العبودية وشهد بسره ما كشف الله له من آثار القدرة بقوله ما أصاب إلخ فسمع هذا من ربه وشهد بقلبه وقع في الروح والراحة وانشرح صدره وهان عليه ما يصيبه فان قلت كان الله قادرا على أن يوصل العباد اليه بلا تعب ولا مصيبة فكيف أوقعهم في المحن والبلايا قلت أراد أن يعرفهم بامتحان القهر حقائق الربوبية وغرائب الطرق اليه حتى يصلوا اليه من طريق الجلال والجمال ففى الآية توطين للنفوس على الرضى بالقضاء والصبر على البلاء وحمل لها على شهود المبتلى في عين البلاء فان به يسهل التحمل والا فمن كان غافلا عن مبدأ اللطف والقهر فهو غافل في اللطف والقهر ولذا تعظم عليه المصيبة بخلاف حال أهل الحضور فانهم يلتذون بالبلاء التذاذهم بالعافية بل ولذة البلاء فوق لذة العافية
از دست تو مشت بر دهانم خوردن ... خوشتر كه بدست خويش نانم خوردن
ومن أمثال العرب ضرب الحبيب زبيب اى لذيذ لِكَيْلا تَأْسَوْا يقال أسى على مصيبته يأسى أسى من باب علم اى حزن اى اخبرناكم بإثباتها وكتابتها في كتاب كيلا يحصل لكم الحزن والألم عَلى ما فاتَكُمْ من نعم الدنيا كالمال والخصب والصحة والعافية