فلما لم يمت بالارادة فالله محيط بالكافرين اى مهلكهم ومميتهم في الدنيا بموت الصورة وموت القلب وفي الآخرة بموت العذاب فلا يموت فيها ولا يحيى يَكادُ الْبَرْقُ اى نور الذكر والقرآن يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ اى أبصار نفوسهم الامارة بالسوء كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ نور الهدى مَشَوْا فِيهِ سلكوا طريق الحق بقدم الصدق وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ ظلمات صفات النفس وغلب عليهم الهوى ومالوا الى الدنيا قامُوا اى وقفوا عن السير وتحيروا وترددوا وتطرقت إليهم الآفات واعترتهم الفترات واستولى عليهم الشيطان وسولت لهم أنفسهم الشهوات حتى وقعوا في ورطة الهلاك وَلَوْ شاءَ اللَّهُ اى لو كانت إرادته ان يهديهم لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ اى بسمع نفوسهم التي تصغى الى وساوس الشيطان وغروره وَأَبْصارِهِمْ اى أبصار نفوسهم التي بها تنظر الى زينة الدنيا وزخارفها كقوله تعالى وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اى قادر على سلب أسماعهم وأبصارهم حتى لا يسمعوا الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية ولا يبصروا المزخرفات الدنيوية والمستلذات الحيوانية لكيلا يغتروا بها ويبيعوا الدين بالدنيا ولكن الله يفعل بحكمته ما يشاء ويحكم بعزته ما يريد انتهى يا أَيُّهَا النَّاسُ الآية مسوقة لاثبات التوحيد وتحقيق نبوة محمد عليه الصلاة والسلام اللذين هما اصل الايمان والناس يصلح اسما للمؤمنين والكافرين والمنافقين والنداء تنبيه الغافلين او إحضار الغائبين وتحريك الساكنين وتعريف الجاهلين وتفريغ المشغولين وتوجيه المعرضين وتهييج المحبين وتشويق المريدين قال بعض العارفين اقبل عليهم بالخطاب جبرا لما في العبادة من الكلفة بلذة الخطاب اى يا مؤنس لا تنس انسك بي قبل الولادة او يا ابن النسيان تنبه ولا تنس حيث كنت نسيا منسيا ولم تك شيأ مذكورا فخلقتك وخمرتك طينا ثم نطفة ثم دما ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحوما وعروقا وجلودا واعصابا ثم جنينا ثم طفلا ثم صبيا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا وأنت فيما بين ذلك تتمرغ في نعمتى وتسعى في خدمة غيرى تعبد النفس والهوى وتبيع الدين بالدنيا لا تنس من خلقك وجعلك من لا شىء شيأ مذكورا كريما مشكورا علمك وقواك وأكرمك واعطاك ما اعطاك فهذا خطاب للنفس والبدن قال في اليسير وإذا كان الإنسان من النسيان ففيه عتاب وتلقين اما العتاب فكانه يقول ايها الناس قابلتم نعمنا بالكفران وأوامرنا بالعصيان واما التلقين للعدر فكانه يقول ايها المخالف لنا ناسيا لا عامدا وساهيا لا قاصدا عذرناك لنسيانك وعفونا عنك لايمانك اعْبُدُوا رَبَّكُمُ يقول للكفار وحدوا ربكم ويقول للعاصعين أطيعوا ربكم ويقول للمنافقين أخلصوا بالتوحيد معرفة ربكم ويقول للمطيعين اثبتوا على طاعة ربكم واللفظ يحتمل لهذه الوجوه كلها وهو من جوامع الكلم كما في تفسير ابى الليث والعبادة استفراغ الطاقة في استكمال الطاعة واستشعار الخشية في استبعاد المعصية الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة جرت عنه للتعظيم والتعليل معناه أطيعوا ربكم الذي خلقكم لخلقكم ولم تكونوا شيأ والحلق اختراع الشيء على غير مثال سبق وَخلق الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ اى من زمن قبل زمانكم من الأمم فمن ابتدائية متعلقة بمحذوف وفي الوصف به ايماء الى سبب وجوب عبادته تعالى فان خلق