على معنى ما كان أكثرهم فى علم الله وقضائه لتوهم كونهم معذورين فى الكفر بحسب الظاهر وبيان موجبات الايمان من جهته تعالى يخالف ذلك يقول الفقير قوله تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ) الآية ونظائره يدل على المعنى الثاني ولا يلزم من ذلك المعذورية لانهم صرفوا اختيارا الى جانب الكفر والمعصية وكانوا فى العلم الأزلي غير مؤمنين بحسب اختيارهم ونسبة عدم الايمان الى أكثرهم لان منهم من سيؤمن وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على الانتقام من الكفرة الرَّحِيمُ المبالغ فى الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يأخذهم بغتة وقال فى كشف الاسرار يرحم المؤمن الذين هم الأقل بعد الأكثر وفى التأويلات النجمية بعزته قهر الأعداء العتاة وبرحمته ولطفه أدرك اولياء بجذبات العناية وعن السرى السقطي قدس سره قال كنت يوما أتكلم بجامع المدينة فوقف علىّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه أصحابه فسمعنى أقول فى وعظي عجبا لضعيف يعصى قويا فتغير لونه فانصرف فلما كان الغد جلست فى مجلسى وإذا به قد اقبل فسلم وصلى ركعتين وقال يا سرى سمعتك بالأمس تقول عجبا لضعيف كيف يعصى قويا فما معناه فقلت لا أقوى من الله ولا أضعف من العبد وهو يعصيه فنهض فخرج ثم اقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد فقال يا سرى كيف الطريق الى الله تعالى فقلت ان أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وان أردت الله فاترك كل شىء سواه تصل اليه وليس الا المساجد والمحراب والمقابر فقام وهو يقول والله لا سلكت الا أصعب الطرق وولى خارجا فلما كان بعد ايام اقبل الىّ غلمان كثير فقالوا ما فعل احمد بن يزيد الكاتب فقلت لا اعرف الا رجلا جاءنى من صفته كذا وكذا وجرى لى معه كذا وكذا ولا اعلم حاله فقالوا بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا اعرف له خبرا فبينا انا ذات ليلة بعد العشاء الآخرة جالس فى بيتي إذ بطارق يطرق الباب فاذنت له فى الدخول فاذا بالفتى عليه قطعة من كساء فى وسطه واخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عينى وقال يا سرى اعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا فاومأت الى صاحبى ان امض الى اهله فاخبرهم فمضى فاذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت والقت الولد فى حجره وعليه حلى وحلل وقالت يا سيدى ارملتنى وأنت حىّ وأيتمت ولدك وأنت حىّ قال السرى فنظر الىّ وقال يا سرى ما هذا وفاء ثم اقبل عليها وقال والله انك لثمرة فؤادى وحبيبة قلبى وان هذا ولدي لاعز الخلق علىّ غير ان هذا السرى أخبرني ان من أراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبى وقال ضعى هذا فى الأكباد الجائعة والأجساد العارية وقطع قطعة من كسائه فلف فيها الصبى فقالت المرأة لا ارى ولدي فى هذه الحالة وانتزعته منه فحين رأها قد اشتغلت به نهض وقال ضيعتم علىّ ليلتى بينى وبينكم الله وولى خارجا وضجت المرأة بالبكاء فقالت ان عدت يا سرى سمعت له خبرا فاعلمنى فقلت ان شاء الله فلما كان بعد ايام أتتني عجوز فقالت يا سرى بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فاذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال ترى يغفر تلك الجنايات فقلت نعم قال يغفر لمثلى قلت نعم قال انا غريق قلت هو منجى الغرقى فقال على مظالم فقلت فى الخبر