ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بدلالة الأنبياء وقدم التوحيد على جادة الشريعة الى درجات الجنات واما خطاب تشريف للانبياء والأولياء اى أتكفرون وكنتم أمواتا في كتم العدم فاحياكم بالتكوين فى عالم الأرواح ورشاش النور فخمر طينة أرواحكم بماء نور العناية وتخمير يد المحبة باربعى صباح الوصال ثم يميتكم بالمفارقة عن شهود الجمال الى مقبرة الحس والخيال ثم يحييكم اما الأنبياء فبنور نور الوحى واما الأولياء فبروح روح نور الايمان ثم اليه ترجعون اما الأنبياء فبالعروج واما الأولياء فبالرجوع بجذبات الحق كما قال تعالى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ فلما اثبت ان الرجوع اليه امر ضرورى اما بالاختيار كقراءة يعقوب ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم واما بالاضطرار كقراءة الباقين أشار الى ان الذي ترجعون اليه هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً اى ما خلقكم لشئ وخلق كل شىء لكم بل خلقكم لنفسه كما قال تعالى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي معناه لا تكن لشئ غيرى فانى لست لشئ غيرك فبقدر ما تكون لى أكون لك كما قال عليه السلام (من كان لله كان الله له) وليس لشئ من الموجودات هذا الاستعداد اى ان يكون هو لله على التحقيق وان يكون الله له وفي هذا سر عظيم وافشاء سر الربوبية كفر فلا تشتغل بمالك عمن أنت له فتبقى بلا هو ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فيه اشارة الى ان وجود السموات والأرض كان تبعا لوجود الإنسان وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اى عالم بخلق كل شىء خلقه ولاى شىء خلقه فكل ذرة من مخلوقاته تسبح بحمد ذاته وصفاته وتشهد على أحديته وصمديته وتقول ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك: قال المولى الجامى قدس سره
دو جهان جلوكاه وحدت تو ... شهد الله كواه وحدت تو
وَإِذْ مفعول اذكر مقدرة اى اذكر لهم واخبر وقت قالَ رَبُّكَ وتوجيه الأمر بالذكر الى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع انها المقصودة بالذات للمبالغة في إيجاب ذكرها لما ان إيجاب ذكر الوقت إيجاب الذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ولان الوقت مشتمل عليها فاذا استحضر كانت حاضرة بتفاصيلها كانها مشاهدة عيانا لِلْمَلائِكَةِ اللام للتبليغ وتقديم الجار والمجرور في هذا الباب مطرد لما في المقول من الطول غالبا مع ما فيه من الاهتمام بما قدم والتشويق الى ما اخر والملائكة جمع ملك والتاء لتأكيد تأنيث الجماعة وسموا بها فانهم وسائط بين الله وبين الناس فهم رسله لان اصل ملك ملأك مقلوب مألك من الألوكة وهي الرسالة والملائكة عند اكثر المسلمين أجسام لطيفة قادرة على التشكل باشكال مختلفة والدليل ان الرسل كانوا يرونهم كذلك وروى في شرح كثرتهم ان بنى آدم عشر الجن وهما عشر حيوانات البر والكل عشر الطيور والكل عشر حيوانات البحار وهؤلاء كلهم عشر ملائكة السماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا الى السماء السابعة ثم كل أولئك في مقابلة الكرسي نزر قليل ثم جمع هؤلاء عشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة الف طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السموات والأرض وما فيهما وما بينهما لا يكون لها عنده قدر محسوس وما منه من مقدار شبر الا وفيه ملك ساجد او راكع او قائم لهم زجل بالتسبيح والتقديس ثم كل هؤلاء في مقابلة