الليل إِذا يَغْشاها اى الشمس فيغطى ضوءها فتغيب وتظلم الآفاق ولما كان احتجاب الشمس بحيلولة الأرض بيننا وبينها واقعا فى الليل صار الليل كأنه حجبها وغطاها فاسند التغطية وتغشية الى الليل لذلك او إذا يغشى الآفاق والأرض ولعل اختيار صيغة المضارع هنا على المضي للدلالة على انه لا يجرى عليه تعالى زمان فالمستقبل عند كالماضى مع مراعاة الفواصل ولم يجئ غشاها من التغشية لانه يتعدى الى المفعولين وحيث كانت الواوات العاطفة نواب الواو الاولى القسمية القائمة مقام الفعل والباء سادة مسدهما معا فى قولك اقسم بالله حق ان يعملن عمل الفعل والجار جميعا كما تقول ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما فاندفع ما يورد هاهنا من ان تلك الواوات ان كانت عاطفة يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين وان كانت قسمية يلزم تعداد القسم مع وحدة الجواب وحاصل الدفع اختيار الشق الاول ومنع لزوم المحذور وفيه اشارة الى ليل النفس عند غشيانه بظلمتها شمس نهار الروح وهو أيضا آية من آياته الكبرى لان الليل مظهر الاسم المضل فيجوز القسم به كما جاز القسم بالنهار نظرا الى انه مظهر الاسم الهادي وَالسَّماءِ وَما بَناها اى ومن بناها على غاية العظم ونهاية العلو وهو الله تعالى وايثارها على من لارادة الوصفية تعجبا لأن ما يسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل والقادر العظيم الشان الذي بناها وكذا الكلام فى قوله وَالْأَرْضِ وَما طَحاها اى ومن بسطها من كل جانب على الماء كى يعيش أهلها فيها والطحو كالدحو بمعنى البسط وابدال الطاء من الدال جائز وافراد بعض المخلوقات بالذكر وعطف الخالق عليه والاقسام بهما ليس لاستوائهما فى استحقاق التعظيم بل النكتة فى الترتيب ان يتبين وجود صانع العالم وكمال قدرته ويظفر العقل بإدراك جلال الله وعظمة شأنه حسبما أمكن فانه تعالى لما اقسم بالشمس التي هى أعظم المحسوسات شرفا ونفعا ووصفها باوصافها الاربعة وهى ضوؤها وكونها متبوعة للقمر ومتجلية عند ارتفاع النهار ومختفية متغطية بالليل ثم اقسم بالسماء التي هى مسير الشمس وأعظم منها فقدنبه على عظمة شأنهما لما تبين ان الاقسام بالشيء تعظيم له ومن المعلوم انهما لحركاتهما الوضعية وتغير أحوالهما من الأجسام الممكنة المحتاجة الى صانع مدبر كامل القدرة بالغ الحكمة فتوسل العقل بمعرفة أحوالهما واوصافهما الى كبرياء صانعهما فكان الترتيب المذكور كالطريق الى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات الى يفاع عالم الربوبية وبيداء كبريائه الصمدية وفيه اشارة الى سماء الأرواح وارض الأجساد وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها اى ومن انشأها وابدعها مستعدة لكمالاتها والتنكير للتفخيم على ان المراد نفس آدم عليه السلام او للتكثير وهو الأنسب للجواب وذكر فى تعريف ذات الله تعالى السماء والأرض والنفس لان الاستدلال على الغائب لا يمكن الا بالشاهد والشاهد ليس الا العالم الجسماني وهو اما علوى بسيط كالسماء واما سفلى بسيط كالارض واما مركب وهو أقسام أشرفها ذوات الأنفس وقد استدل بعطف ما بعدها على ما قبلها على عدم جواز تقدير المضاف فيه مثل ورب الشمس وكذا