وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها فى ذلك فقال عليه السلام (نعم) فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يأتى بكف من درة ويجيىء الآخر بكف من تمر ويجيىء الآخر بميرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شىء يسير فدعا عليه السلام بالبركة ثم قال (خذوا فى اوعيتكم) فاخذوا حتى ما تركوا فى العسكر وعاء إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال صلى الله عليه وسلم (اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك إلا وقاه الله النار) : قال الشيخ المغربي قدس سره
كل توحيد نرويد ز زمينى كه درو ... خار شرك وحسد وكبر وريا وكين است
والاشارة فى الآية لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ اى نبى الروح بمنزلة النبي يأخذ بالهام الحق حقائق الدين ويبلغها الى أمته من القلب والنفس والجوارح والأعضاء. فالمعنى أفاض الله على نبى الروح ومهاجرى صفاته الذين هاجروا معه من مكة الروحانية الى المدينة الجسدانية والأنصار من القلب والنفس وصفاتها وهم ساكنوا مدينة الجسد فيوضات الرحمة الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الروح ساعة رجوعه الى عالم العلو بالعسرة إذ هم نشأوا فى عالم السفل يعسر عليهم السير الى عالم العلو من بعد ما كاد بزيغ قلوب فريق من النفس وصفاتها وهواها فان ميلها طبعا الى عالم السفل ثم تاب عليهم بافاضة الفيض الرباني لتعليهم عن طبعهم انه بهم روف رحيم ليجعلهم باكسير الشريعة قابلين للرجوع الى عالم الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا اى وتاب الله على الثلاثة الذين اخر أمرهم ولم يقطع فى شأنهم بشىء الى ان نزل فيهم الوحى وهم كعب بن مالك الشاعر ومرادة بن الربيع العنبري وهلال بن امية الأنصاري يجمعهم حروف كلمة «مكه» وآخر اسماء آبائهم «عكه» حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ غاية للتخفيف اى اخر أمرهم الى ان ضاقت عليهم الأرض بِما رَحُبَتْ اى برحبها وسعتها لاعراض الناس حتى عن المكالمة معهم ولو بالسلام ورده وكانوا يخافون ان يموتوا فلا يصلى النبي عليه السلام ولا المؤمنون على جنازتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ اى امتلأت قلوبهم بفرط الوحشة والغم بحيث لم يبق فيها ما يسع شيأ من الراحة والانس والسرور عبر عن الراحة والسرور بضمير عليهم حيث قيل ضاقت عليهم تنبيها على ان انتفاء الراحة والسرور بمنزلة انتفاء ذواتهم وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ اى علموا وأيقنوا ان لا ملاذ ولا خلاص من سخطه تعالى الا الى استغفاره فظنوا بمعنى علموا لانه تعالى ذكر هذا الوصف فى معرض المدح والثاء وذا لا يكون الا مع علمهم بذلك. وقوله ان مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر ولا مع ما فى حيزها خبران ومن الله خبر لا وان مع ما فى حيزها ساد مسد مفعولى ظنوا والا استثناء من العام المحذوف اى وعلموا ان الشان لا التجاء من سخط الله الى أحد الا اليه قال بعض المتقدمين من تظاهرت عليه النعم فليكثر الحمد لله ومن كثرت همومه فليكثر الاستغفار واعلم ان من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يلتجىء الا الى الله فالفرار ليس الا اليه على كل حال واما المظاهر او المحال فليست الا أسبابا: وفى المثنوى