للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم ان قوله وجعل عطف على أخرجكم وليس فيه دلالة على تأخر الجعل المذكور عن الإخراج لما ان مدلول الواو هو الجمع مطلقا لا الترتيب على ان اثر ذلك الجعل لا يظهر قبل الإخراج كما فى الإرشاد. والتحقيق ان الله تعالى صفات سبعا مرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وإذا قلب الكلام يصير كمالا فآخر الكمال الكلام كما ان أول الكمال الكلام لان أول التعينات الالهية هى الهوية الذاتية وآخرها الكلام مطلقا وعلى هذا يدور الأمر فى المظهر الإنساني ألا ترى ان أول ما يبدو فى الجنين حس السمع ثم البصر ثم الكلام ولذا حرم تزوج الحبلى من النكاح اتفاقا ومن الزنى اختلافا لما قال عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يسقين ماءه زرع غيره) فان قيل فم الرحم منسد بالحبل فكيف يوجد سقى الزرع قلنا قد جاء فى الخبر (ان سمع الحمل وبصره يزداد حدة بالوطئ) فظهر ان آخر ما يظهر بعد الولادة هو الكلام ومقتضى مقام الامتنان ان هذه القوى انما تظهر آثارها بعد الإخراج من بطون الأمهات وهذا لا ينافى حصولها قبله بالقوة القريبة من الفعل لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ارادة ان تشكروا هذه الآلات وشكرها استعمالها فيما خلقت لاجله من استماع كلام الله وأحاديث رسول الله وحكم أوليائه وما ليس فيه ارتكاب منهى ومن النظر الى آيات الله والاستدلال بها على وجوده ووحدته وعلمه وقدرته فمن استعملها فى غير ما خلقت له فقد كفر جلائل نعم الله تعالى وخان فى أماناته: قال الشيخ السعدي قدس سره

كذرگاه قرآن و پندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش

دو چشم از پى صنع بارى نكوست ... ز عيب برادر فرو كير ودوست

وقال الصائب

ترا بگوهر دل كرده اند امانتدار ... ز دزد امانت حق را نكاهدار مخسب

وفى التأويلات النجمية وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لاجسادكم كما جعل للحيوانات لتسمعوا بها وتبصروا وتفهموا ما يسمع الحيوان ويبصر ويفهم وجعل لارواحكم سمعا تسمعون به ما تسمع الملائكة وبصرا تبصرون به ما تبصر الملائكة وفؤادا تفهمون به ما تفهم الملائكة وجعل لاسراركم سمعا تسمعون بالله وبصرا تبصرون بالله وفؤادا تعرفون بالله وهذه الحواس مستفادة من قوله تعالى كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ بهذه الآلات نعم الله وأداء شكر نعم الله باستعمالها وصرفها فى طلب الله وترك الالتفات الى النعم بل للمنعم وفى الآية اشارة اخرى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم اى من العدم وهو الام الحقيقي لا تعلمون شيأ قبل ان يعلمكم الله اسماء كل شىء وجعل لكم السمع والابصار والافئدة حين خاطبكم بقوله ألست بربكم فتجلى لكم بربوبيته فبنور سمعه اعطاكم لسانا تجيبونه بقولكم بلى لعلكم تشكرون فلا تسمعون بهذا السمع الا كلامه ولا تبصرون بهذا البصر إلا جماله ولا تحبون بهذا الفؤاد الا ذاته ولا تكلمون بهذا اللسان الا معه أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ تقرير لمن ينظر إليهن وتعجيب من شأنهن. والطير جمع طائر اى ألم ينظروا

<<  <  ج: ص:  >  >>