النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها. وهذا فزع منه الى الطاف الله جريا على سنن الأنبياء والصالحين فى قصر نيل الخيرات والنجاة من الشرور على جناب الله وسلب القوى والقدر عن أنفسهم ومبالغة فى استدعاء لطفه فى صرف كيدهن بإظهار ان لا طاقة له بالمدافعة كقول المستغيث أدركني والا هلكت لانه يطلب الإجبار والإلجاء الى العصمة والعفة وفى نفسه داعية تدعوه الى هواهن وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ اى الذين لا يعملون بما يعلمون لان من لم يعمل بعلمه هو والجاهل سواء او من السفهاء بارتكاب ما يدعوننى اليه لان الحكيم لا يفعل القبيح وفيه دلالة بينة على ان ارتكاب الذنب والمعصية عن جهل وسفاهة وان من زنى فقد دخل من جملة الكاذبين فى الجهل فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ دعاءه الذي تضمنه قوله وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ إلخ فان فيه استدعاء لصرف كيدهن والاستجابة تتعدى الى الدعاء بنفسها نحو استجاب الله تعالى دعاءه والى الداعي باللام ويحذف الدعاء إذا عدى الى الداع فى الغالب فيقال استجاب له ولا يكاد يقال استجاب له دعاءه كما فى بحر العلوم فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ حسب دعائه وثبته على العصمة والعفة حتى وطن نفسه على مقاساة السجن ومحنته واختارها على اللذة المتضمنة للمعصية إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعاء المتضرعين اليه الْعَلِيمُ بأحوالهم وما يصلحهم وعن الشيخ ابى بكر الدقاق قدس سره قال بقيت بمكة عشرين سنة وكنت اشتهى اللبن فغلبتنى نفسى فخرجت الى عسفان وهو كعثمان موضع على مرحلتين من مكة فاستضفت حيا من احياء العرب فوقعت عينى على جارية حسناء أخذت بقلبي فقالت يا شيخ لو كنت صادقا لذهبت عنك شهوة اللبن فرجعت الى مكة وطفت بالبيت فاريت فى منامى يوسف الصديق عليه السلام فقلت له يا نبى الله أقر الله عينك بسلامتك من زليخا فقال يا مبارك بل أقر الله عينك بسلامتك من العسفانية ثم تلا يوسف ولمن خاف مقام ربه جنتان وانشدوا
وأنت إذا أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
قال بعضهم لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وانما يمكن الخروج عن النفس بالله وقال الشيخ ابو تراب النخشبى قدس سره من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت فى الوقت فليس للعصمة شىء يعادلها والاشارة ان القلب إذا لم يتابع امر الدنيا وهوى نفسه ولم يجب الى ما تدعوه دواعى البشرية يكون مسجونا فى سجن الشرع والعصمة من الله تعالى والقلب وان كان فى كمالية قلب نبى من الأنبياء لو خلى وطبعه ولم يعصمه الله من مكايد الدنيا وآفات دواعى البشرية وهواجس النفس ووساوس الشيطان يميل الى ما يدعونه اليه ويكون من جملة النفوس الظلومة الجهولة كما فى التأويلات النجمية: قال الحافظ
دام سخت است مگر لطف خدا يار شود ... ور نه آدم نبرد صرفه ز شيطان رجيم
نسأل الله القوة والغلبة على الأعداء الظاهرة والباطنة انه هو المعين ثُمَّ بَدا لَهُمْ اى ظهر للعزيز وأصحابه المتصدين للحل والعقد رأى وثم يدل على تغير رأيهم فى حقه مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ اى الشواهد على براءة يوسف كشهادة الصبى وقد القميص وغيرهما