عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ انتهى قال فى التأويلات النجمية الإثبات بعد الاستفهام نفى كما ان النفي بعد الاستفهام اثبات كقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ اى انا ربكم ونظير النفي فى الإثبات قوله تعالى أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ اى ليس مع الله آله فمعناه ما قلت أنت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله ولكنهم بجهلهم قد بالغوا فى تعظيمك حتى اطروك وجاوزوا حدك فى المدح ولهذا قال النبي عليه السلام (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم) انتهى. فان قيل ما وجه هذا السؤال مع علمه تعالى ان عيسى عليه الصلاة والسلام لم يقله. قيل ذلك لتوبيخ قومه وتعظيم امر هذه المقالة. قال ابو روق إذا سمع عيسى هذا الخطاب ارتعدت مفاصله وانفجرت من اصل كل شعرة من جسده عين من دم وهذا الخطاب وان كان ظاهره مع عيسى ولكن كان حقيقة مع الامة لان سنة الله ان لا يكلم الكفار يوم القيامة ولا ينظر إليهم قالَ كأنه قيل فماذا يقول عيسى حينئذ فقيل يقول سُبْحانَكَ علم للتسبيح اى أنزهك تنزيها لائقابك من ان أقول ذلك او من ان يقال فى حقك ذلك ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ اى ما يستقيم وما ينبغى لى ان أقول قولا لا يحق لى ان أقوله إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ اى هذا القول فَقَدْ عَلِمْتَهُ لانى لا اقدر على هذا القول الا بان توجده فىّ وتكونه بقولك كن فصدوره عنى مستلزم لعلمك به قطعا فحيث انتفى العلم انتفى الصدور حتما ضرورة ان عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي اى ما اخفيه فى نفسى كما تعلم ما اعلنه وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ اى ولا اعلم ما تخفيه من معلوماتك فعبر عما يخفيه الله من معلوماته بقوله ما فى نفسك للمشاكلة لوقوعه فى صحبة قوله تعلم ما فى نفسى فان معلومات الإنسان مختفية فى نفسه بمعنى كون صورها مرتسمة فيها بخلاف معلومات الله تعالى فان علمه تعالى حضورى لا تنقطع صورة شىء منها فى ذاته فلا يصح ان يحمل النفس على المعنى المتبادر إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما كان وما يكون ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ تصريح بنفي المستفهم عنه بعد تقديم ما يدل عليه اى ما امرتهم الا ما أمرتني به وانما قيل ما قلت لهم نزولا على قضية حسن الأدب ومراعاة لما ورد فى الاستفهام أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ تفسير للضمير فى به وفى أمرت معنى القول وليس تفسيرا لما فى قوله ما أمرتني لانه مفعول لصريح القول والتقدير الا ما أمرتني به بلفظ هو قولك ان اعبدوا الله ربى وربكم وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيبا اراعى أحوالهم واحملهم على العمل بموجب أمرك وامنعهم عن المخالفة او مشاهدا لاحوالهم من كفر وايمان ما دُمْتُ فِيهِمْ اى مدة دوامى فيما بينهم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي اى قبضتنى إليك من بينهم ورفعتنى الى السماء كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ اى أنت لا غيرك كنت الحافظ لاعمالهم والمراقب لها فمنعت من أردت عصمته عن المخالفة بالإرشاد الى الدلائل والتنبيه عليها بإرسال الرسول وإنزال الآيات وخذلت من خذلت من الضالين فقالوا ما قالوا وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ مطلع عليه مراقب له فعلى متعلقة بشهيد والتقديم لمراعاة الفاصلة إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ اى فانك تعذب عبادك ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه. وفيه