وفى الآية الكريمة ارشاد الى وجوب المهاجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من اقامة امور دينه بأى سبب كان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه ابراهيم ونبيه محمد عليه السلام) قال الحدادي فى تفسيره فى قوله تعالى أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها دليل انه لا عذر لاحد فى المقام على المعصية فى بلده لاجل المال والولد والأهل بل ينبغى ان يفارق وطنه ان لم يمكنه اظهار الحق فيه ولهذا روى عن سعد بن جبير انه قال إذا عمل بالمعاصي بأرض فاخرج منها
سعديا حب وطن گرچهـ حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا ز آدم
والاشارة فى الآية ان المؤمن عام وخاص وخاص الخاص كقوله فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو العام وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو الخاص وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ وهو خاص الخاص إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ هم العوام الذين ظلموا أنفسهم بتدسيتها من غير تزكيتها عن أخلاقها الذميمة وتحليتها بالأخلاق الحميدة ليفلحوا فحابوا وخسروا كما قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ اى قالت الملائكة حين قبضوا أرواحهم فى أي غفلة كنتم تضيعون اعماركم وتبطلون استعدادكم الفطري وفى أي واد من او دية الهوى تهيمون وفى أي روضة من رياض الدنيا كنتم تؤثرون الفاني على الباقي وتنسون الطهور والساقي وإخوانكم يجاهدون فى سبيل الله باموالهم وأنفسهم ويهاجرون عن الأوطان ويفارقون الاخوان والأخدان قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ اى عاجزين فى استيلاء النفس الامارة وغلبة الهوى مأسورى الشيطان فى حبس البشرية قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ اى ارض القلب واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فتحرجوا من مضيق ارض البشرية فتسلكوا فى فسحة عالم الروحانية بل تطيروا فى هواء الهوية فَأُولئِكَ يعنى ظالمى أنفسهم مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ البعد عن مقامات القرب وَساءَتْ مَصِيراً جهنم البعد لتاركى القرب والمتقاعدين عن جهاد النفس إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الذي صفتهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً فى الخروج عن الدنيا لكثرة العيال وضعف الحال ولا على قهر النفس وغلبة الهوى ولا على قمع الشيطان فى طلب الهدى وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا الى صاحب ولاية يتمسكون بعروته الوثقى ويعتصمون بحبل إرادته فى طلب المولى فيخرجهم من ظلمات ارض البشرية الى نور سماء الربوبية على أقدام العبودية وهم المقتصدون المشتاقون ولكنهم بحجب الانانية محجوبون ومن شهود جمال الحق محرومون فعذرهم بكرمه ووعدهم رحمته وقال فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ السكون عن الله والركون الى غير الله وَكانَ اللَّهُ فى الأزل عَفُوًّا ولعفوه أمكنهم التقصير فى العبودية غَفُوراً ولغفرانه امهلهم فى إعطاء حق الربوبية كذا فى التأويلات النجمية وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ترغيب فى المهاجرة وتأنيس لها وسبيل الله ما امر بسلوكه يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً اى متحولا يتحول اليه ومهاجرا وانما عبر عنه بذلك تأكيدا للترغيب لما فيه من الاشعار