للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتضرعنا الْعَلِيمُ بكل المعلومات التي من زمرتها نياتنا في جميع اعمالنا ودل هذا القول على انه لم يقع منهما تقصير بوجه ما في إتيان المأمور به بل بذلا في ذلك غاية ما في وسعهما فان المقصر المتساهل كيف يتجاسر على ان يقول بأطلق لسان وارق جنان انك أنت السميع العليم ودلت الآية ايضا على ان الواجب على كل مأمور بعبادة وقربة إذا فرغ منها وأداها كما امر بها وبذل فى ذلك ما في وسعه ان يتضرع الى الله ويبتهل ليتقبل منه وان لا يرد عليه فيضيع سعيه وان لا يقطع القول بأن من ادى عبادة وطاعة تقبل منه لا محالة إذ لو كان هكذا لما كان لدعائهما بطريق التضرع ليقبل منهما معنى فالقبول والرد اليه تعالى ولا يجب عليه شىء رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ اى مخلصين لك فالمراد بالمسلم من يجعل نفسه وذاته خالصا لله تعالى بان يجعل التذلل والتعظيم الواقع منه للسان والأركان والجنان خالصا له تعالى ولا يعظم معه تعالى غيره ويعتقد بأن ذاته وصفاته وأفعاله خالصة له تعالى خلقا وملكا لا مدخل في شىء منها لاحد سواه او المعنى واجعلنا مستسلمين لك منقادين بالرضى بكل ما قدرت وبترك المنازعة في أحكامك فان الإسلام إذا وصل باللام الجارة يكون بمعنى الاستسلام والانقياد والرضى بالقضاء فان قلت لا شك انهما كانا مخلصين ومستسلمين في زمان صدور هذا الدعاء منهما قلت المراد طلب الزيادة في الإخلاص والإذعان او الثبات عليه فهذا تعليم منهما الناس الدعاء للتثبيت على الايمان فانهما لما سألا ذلك مع امنهما من زواله عنهما فكيف غيرهما مع خوفه وسألا ايضا الثبات على الانقياد فاجيبا الى ذلك حتى اسلم ابراهيم للالقاء في النار وإسماعيل للامر بالذبح وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ اى واجعل بعض ذريتنا جماعة مخلصة لك بالعبادة والطاعة وانما خص الذرية بالدعاء مع ان الأنسب بحال اصحاب الهمم لا سيما الأنبياء ان لا يخصوا ذريتهم بالدعاء لكنهما خصاهم لوجهين الاول كونهم أحق بالشفقة كما في قوله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً فدعوا لاولادهما ليكثر ثوابهما بهم وفي الحديث (ما من رجل من المسلمين يخلف من بعده ذرية يعبدون الله تعالى الا جعل الله له مثل أجورهم ما عبد الله منهم عابد حتى تقوم الساعة) والثاني انه وان كان تخصيصا صورة الا انه تعميم معنى لان صلاح أولاد الأنبياء سبب وطريق لصلاح العامة فكأنهما قالا وأصلح عامة عبادك بإصلاح بعض ذريتنا وخصا البعض من ذريتهما لما علما ان من ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين وطريق علمها بذلك امر ان تنصيص الله تعالى بذلك بقوله لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ والاستدلال بان حكمة الله تعالى تقتضى ان لا يخلوا لعالم عن أفاضل واوساط وارذال فالافاضل هم اهل الله الذين هم أخلصوا أنفسهم لله بالإقبال الكلى عليه والاوساط هم اهل الآخرة الذين يجتنبون المنكرات ويواظبون على الطاعات رغبة في نيل المثوبات والأرذال هم اهل الدنيا الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون جل همتهم عمارة الدنيا وتهيئة أسبابها وقد قيل عمارة الدنيا بثلاثة أشياء أحدها الزراعة والغرس والثاني الحماية والحرب والثالث جلب الأشياء من مصر الى مصر ومن أكب على هذه الأشياء ونسى الموت والبعث والحساب وسعى لعمارة الدنيا سعيا بليغا ودقق في اعمال فكره تدقيقا عجيبا فهو منوغل في الجهل والحماقة ولهذا قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا: وفي المثنوى

<<  <  ج: ص:  >  >>