التخصيص هو ان من عرف الله حق معرفته قد لا يحتاج الى ركوب السفينة بل يمشى على الماء كما وقع لكثير من اهل التصرف ففيه تنبيه على العجز وتعريف للقصور. وايضا ان الأرض إذا كانت فى قبضته فالبحر الذي فوقها متصلا بها يكون ايضا فى قبضته فينبغى ان يخاف من سطوته فى كل مكان ويشتغل بذكره فى كل آن بخلوص الجنان وصدق الإيقان يقال ان الشرك جلى وخفى فالجلى من العوام الكفر والخفي منهم التوحيد باللسان مع اشتغال القلب بغير الله تعالى وهو شرك جلى من الخواص والخفي منهم الالتفات الى الدنيا وأسبابها وهو جلى من أخص الخواص والخفي منهم الالتفات الى الآخرة يقال ان السبب لانشقاق زكريا عليه السلام فى الشجرة كان التفاته الى الشجرة حيث قال اكتمينى أيتها الشجرة كما ان يوسف عليه السلام قال لساقى الملك اذكرني عند ربك فلبث فى السجن بضع سنين فاقطع نظرك عما سوى الله وانظر الى حال الخليل عليه السلام فانه لما القى فى النار أتاه جبرائيل وقال ألك حاجة يا ابراهيم فقال اما إليك فلا فجعل الله له النار بردا وسلاما وكان قطبا واماما
نكر تا قضا از كجا سير كرد ... كه كورى بود تكيه بر غير كرد
قال عبد الواحد بن زيد لابى عاصم البصري رحمه الله كيف صنعت حين طلبك الحجاج قال كنت فى غرفتى فدقوا على الباب ودخلوا فدفعت بي دفعة فاذا انا على ابى قبيس بمكة فقال عبد الواحد من اين كنت تأكل قال كانت تأتى الىّ عجوز وقت إفطاري بالرغيفين الذين كنت آكلهما بالبصرة قال عبد الواحد تلك الدنيا أمرها الله ان تخدم أبا عاصم هكذا حال من توكل على الله وانقطع اليه عما سواه فالله لا يخيب عبدا لا يرجو الا إياه وَنُفِخَ فِي الصُّورِ المراد النفخة الاولى التي هى للاماتة بقرينة النفخة الآتية التي هى للبعث والنفخ نفخ الريح فى الشيء: وبالفارسية [دميدن] يقال نفخ بفمه اخرج منه الريح والنفخ فى القرآن على خمسة أوجه الاول نفخ جبريل عليه السلام فى جيب مريم عليها السلام كما قال تعالى (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) اى نفخ جبرائيل فى الجيب بامرنا فسبحان من أحبل رحم امرأة وأوجد فيها ولدا بنفخ جبرائيل والثاني نفخ عيسى عليه السلام فى الطين كما قال تعالى (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ) وهو الخفاش فسبحان من حول الطين طيرا بنفخ عيسى والثالث نفخ الله تعالى فى طين آدم عليه السلام كما قال تعالى (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) اى أمرت الروح بالدخول فيه والتعلق به فسبحان من انطق لحما وابصر شحما واسمع عظما واحيى جسدا بروح منه والرابع نفخ ذى القرنين الحديد فى النار كما قال تعالى حكاية عنه (قالَ انْفُخُوا) الآية فسبحان من حول قطعة حديد نارا بنفخ ذى القرنين والخامس نفخ اسرافيل عليه السلام فى الصور كما قال تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) فسبحان من اخرج الأرواح من الأبدان بنفخ واحد كما يطفأ السراج بنفخ واحد وتوقد النار بنفخ واحد وسبحان من رد الأرواح الى الأبدان بنفخ واحد وهذا كله دليل على قدرته التامة العامة. والصور قرن من نور ألقمه الله اسرافيل وهو اقرب الخلق الى الله تعالى وله جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على كاهله وان قدميه قد خرجتا من الأرض السفلى حتى بعدتا عنها مسيرة مائة عام على ما رواه وهب وعظم دائرة القرن مثل ما بين السماء والأرض وفى الدرة الفاخرة للامام الغزالي