وفى الحديث العبد المؤمن بين مخافتين عمر قد مضى لا تدرى ما الله صانع فيه وأجل قد بقي لا يدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فو الله ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا الا الجنة والنار وقال الواسطي قدس سره فى الآية علمت كل نفس وأيقنت ان ما علمت واجتهدت لا يصلح لذلك المشهد وان من أكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزاء اعماله هلك وخاب وفى برهان القرآن هنا علمت نفس ما أحضرت وفى الانفطار وما قدمت وأخرت لان ما فى هذه السورة متصل بقوله وإذا القبور بعثرت والقبور كانت فى الدنيا فتتذكر ما قدمت فى الدنيا وما أخرت للعقبى فكل خاتمة لائقة بمكانها وهذه السورة من أولها الى آخرها شرط وجزاء وقسم وجواب فَلا أُقْسِمُ لا صلة أورد لكلام سابق اى ليس الأمر كما تزعمون ايها الكفرة من ان القرآن سحر او شعر او أساطير ثم ابتدأ فقال اقسم بِالْخُنَّسِ جمع خانس وهو المتأخر من خنس الرجل عن القوم خنوسا من باب دخل إذا تأخر واصل الخنوس الرجوع الى خلف والخناس الشيطان لانه يضع خرطومه على قلب العبد فاذا ذكر الله خنس وإذا غفل عاد الى الوسوسة والمعنى اقسم بالكواكب الرواجع وهى ما عدا النيرين من الدراري الخمسة وهى المريخ بالكسر ويسمى بهرام ايضا وزخل ويسمى كيوان ايضا وعطارد ويسمى الكاتب ايضا والزهرة وتسمى اناهيذ ايضا والمشترى ويسمى راويس وبرجيس ايضا وما من نجم يقطع المجرة غير الخمسة فلذا خصها ونظمها بعضهم والنيرين فقال
هفت كوكب كه هست كبتى را ... كاه از ايشان مدار وكاه خلل
قمرست وعطارد وزهره ... شمس ومريخ ومشترى وزحل
وهى الكواكب السبعة السيارة كل منها يجرى فى فلك فالقمر فى الاول وما يليه فى الثاني وهكذا على الترتيب الْجَوارِ الْكُنَّسِ الجواري جمع جارية بمعنى سائرة والكنس جمع كانس وهو الداخل فى الكناس المستتر به وصفت الخنس بهما لانها تجرى فى أفلاكها او بأنفسها على ما عليه اهل الظواهر مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بينا ترى النجم فى آخر البرج اذكر راجعا الى اوله فرجوعه من آخر البرج الى اوله هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها واما القمر ان فلا يكنسان بهذا المعنى قال فى عين المعاني لخنوسها فى مجراها واستتارها فى كناسها اى موضع استتارها فيه كما تكنس الظباء انتهى من كنس الوحش من باب جلس إذا دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر وقبل جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل اى تطلع فى أماكنها كالوحش فى كنسها وفى التأويلات التجمية يشير الى الحواس الخمس الباطنة السيارة مع شمس الروح وقمر القلب لرواجع الى بروجها بالاختفاء بحسب شعاع شمس الروح وقمر القلب لغلبة اشعتهما عليهن والدراري الخمسة الزهرة وعطارد والمشترى