بمقابلة عبادة الشيطان مثل قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وغير ذلك وهو استئناف يخاطبون به من خزنة جهنم بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عند اشرافهم على شفير جهنم اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ يقال صلى اللحم كرمى يصليه صليا شواه وألقاه فى النار وصلى النار قاسى حرها وأصله اصليوها فاعل كاحشيوا وهو امر تنكيل واهانة كقوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) والمعنى ادخلوها وقاسوا حرها وفنون عذابها اليوم بكفركم المستمر فى الدنيا وفى ذكر اليوم ما يوجب شدة ندامتهم وحسرتهم يعنى ان ايام لذاتكم قد مضت ومن هذا الوقت واليوم وقت عذابكم قال ابو هريرة رضى الله عنه أوقدت النار الف عام فابيضت ثم أوقدت الف عام فاحمرت ثم أوقدت الف عام فاسودت فهى سوداء كالليل المظلم وهى سجن الله تعالى لمجرمين قال النبي عليه السلام لجبرائيل (ما لى لم أر ميكائيل ضاحكا قط) قال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار قال بعضهم ذكر النار شديد فكيف القطيعة والفضيحة فيها ولذا ورد فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة وعن السرى السقطي رحمه الله اشتهى ان أموت ببلدة غير بغداد مخافة ان لا يقبلنى قبرى فافتضح عندهم وقال العطار رحمه الله لو ان نارا أوقدت فقيل من قبل الرحمن من القى نفسه فيها صار لاشيا لخشيت ان أموت من الفرح قبل ان اصل الى النار لخلاصى من العذاب الابدى فانظر الى انصاف هؤلاء السادات كيف أساءوا الظن بانفسهم مع انهم موحدون توحيدا حقيقيا عابدون عارفون وقد جعل دخول النار مسببا عن الكفر والشرك والأوزار
خدايا بعزت كه خوارم مكن ... بذل كنه شرمسارم مكن
مرا شرمسارى ز روى تو بس ... دكر شرمسارم مكن پيش كس
بلطفم بخوان يا بران از درم ... ندارد بجز آستانت سرم
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ الختم فى الأصل الطبع ثم استعير للمنع والأفواه جمع فم واصل فم فوه بالفتح وهو مذهب سيبويه والبصريين كثوب وأثواب حذفت الهاء حذفا على غير قياس لخفائها ثم الواو لاعتدالها ثم أبدل الواو المحذوفة ميما لتجانسهما لانهما من حروف الشفة فصار فم فلما أضيف رد الى أصله ذهابا به مذهب أخواته من الأسماء وقال الفراء جمع فوه بالضم كسوق وأسواق وفى الآية التفات الى الغيبة للايذان بان ذكر أحوالهم القبيحة استدعى ان يعرض عنهم ويحكى أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماء الى ان ذلك من مقتضيات الختم لان الخطاب لتلقى الجواب وقد انقطع بالكلية والمعنى نمنع أفواههم من النطق ونفعل بها ما لا يمكنهم معه ان يتكلموا فتصير أفواههم كأنها مختومة فتعترف جوارحهم بما صدر عنها من الذنوب وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ باستنطاقنا إياها بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فتنطق الأربع بما كسبوه من السيئات والمراد جميع الجوارح لا ان كل عضو يعترف بما صدر منه [والكسب: حاصل